فى الإساءة لحب مصر

سلامة أحمد سلامة
سلامة أحمد سلامة

آخر تحديث: الأربعاء 10 أغسطس 2011 - 8:48 ص بتوقيت القاهرة

 فى مرحلة من المراحل كانت المليونيات التى تجتمع عليها إرادة شباب الثورة فى ميدان التحرير، وسيلة لتحقيق أهداف سامية من أجل التغيير، والتعبير عن أشواق الشعب فى الحرية وإقامة نظام ديمقراطى يقضى على الاستبداد ويخضع لإرادة الشعب وسيادة القانون.

وفى غضون الشهور الستة الأخيرة تحققت أهداف بدت فى وقت من الأوقات مستحيلة. وسقط شهداء وتمت إزاحة النظام القديم بمؤسساته ورموزه وأشخاصه فى الأغلب الأعم.. وانفتحت أبواب الحرية أمام فئات وقوى كانت محجوبة عن الشرعية وعن المشاركة فى الحياة السياسية. ودخلت إلى الحلبة قوى سياسة ودينية وطبقات تمارس حقها فى الحرية والتفكير لأول مرة.

مع جمعة «لم الشمل» فى الثامن من أغسطس والتى كان يفترض أن تكون فرصة لضم الفرقاء، ما بين قوى التيار الإسلامى بفصائله المختلفة، والقوى الليبرالية والمدنية.. الذين اتفقوا على أهداف واحدة وشعارات حاكمة، وبدا فيها وكأن الجميع قد ألقى بخلافاته ومشاكله الصغيرة وراء ظهره.. لم يحدث ما كان يتوقعه أو يتمناه الجميع.

وانفجرت الخلافات والمناورات بأشد مما كانت. وعاد الجدل يشتعل بين الإخوان والسلفيين وبين المتصوفة والليبراليين، بل وشهدت صفوف الثوار وعلى رأسها حركة 6 أبريل انقسامات غامضة. وضعت بعضهم فى مواجهة المجلس العسكرى وأثارت زوبعة من الاتهامات ضد قياداته وعلى رأسها المشير حول واقعة قطع الاتصالات أثناء الثورة.

وكان المفروض مع بدء محاكمة الرئيس المخلوع وأعوانه ومثوله وأولاده وعدد من وزرائه فى قفص الاتهام، أن يكون ذلك إيذانا بأن مرحلة ميدان التحرير قد انقضت، وأن مرحلة جديدة للبناء والتطلع للمستقبل قد بدأت، وأن تنتبه قوى الثورة إلى المستقبل بدلا من الانغماس فى الماضى. وأن تدرك أننا بإزاء مرحلة ما بعد ميدان التحرير!

ولكن ها نحن نجد أنفسنا خلفا در عائدين إلى الوراء، باختراع ما أطلق عليه «جمعة فى حب مصر»، بدعوى استعادة روح التوحد بين القوى الوطنية، وهى الدعوة التى تبناها الصوفيون وتيارات إسلامية لاستعادة الثقة والرد على الشرطة العسكرية وقوات البوليس ــ هكذا جاء فى البيان ــ الذين أرغموا المتظاهرين على الخروج من الميدان.. وهو ما ينبئ باحتمالات صدام ليس بريئا فى دوافعه!

إن «حب مصر» الذى تروج له فضائيات وأقلام مريبة وتتكاثر أطراف للانخراط فيه دون هدف واضح ليس مجرد «حلقة ذكر» تعقد فى ميدان التحرير.. وعلى الذين يريدون قضاء وقت اجتماعى ممتع بالإفطار مع الأصدقاء والصديقات فى ميدان التحرير أن يبحثوا لهم عن مكان آخر فى أحد المنتزهات.

فالحقيقة المرة، وبالرغم من حالة الارتياح التى صاحبت محاكمة مبارك، فإن مصر تعيش حالة من القلق والشك فى المستقبل.. أسعار المواد الغذائية فى ارتفاع مطرد. طبقات اجتماعية محرومة تعجز عن تدبير أمور معاشها وتتعرض لأعمال البلطجة ومازالت أقسام الشرطة تتعرض لهجمات واقتحامات. وساعدت الاعتصمامات والمظاهرات على إشاعة الفوضى والفلتان الأمنى.

وذلك بينما كان المفروض أن تنصرف القوى السياسية إلى الاستعداد لخوض الانتخابات ونحن على مسافة أسابيع قليلة منها، وبرغم ما تتميز به من أهمية قصوى، تظل القوى السياسية مشغولة بالاعتصامات والمليونيات.. فى الوقت الذى تزداد فيه الهواجس من أن تؤدى الانتخابات لو أجريت فى هذه الظروف، إلى هيمنة حزب واحد وإلى عدم تمثيل كاف ومتوازن للقوى السياسية الأخرى. ومعنى ذلك أننا قد لا نشهد ميلاد دولة مدنية بل سيطرة ائتلاف من الإسلاميين والسلفيين على الأغلبية البرلمانية.

أخشى ما نخشاه أن تتحول «جمعة فى حب مصر» إلى «جمعة الإساءة لحب مصر»، إذا ظل الهم الأول للقوى السياسية هو إثبات وجودها فى ميدان التحرير، بدلا من النضال فى سبيل التغيير، ودعوة المواطنين إلى الاحتشاد دفاعا عن الدولة المدنية فى الانتخابات القادمة، وإقامة تحالفات ديمقراطية تعمل بطريقة منظمة فى القرى والنجوع والمدن.. وإلا فقد نجد أنفسنا وقد عدنا إلى المربع الأول.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved