غلطات الشاطر
نبيل عمرو
آخر تحديث:
السبت 10 أغسطس 2013 - 10:07 ص
بتوقيت القاهرة
الشاطر.. هو ذلك الرجل الأنيق والمتكلم، رجب طيب أردوغان.
أما غلطاته، فتبدو ضخمة ومضاعفة، حين نعرض حسناته الكثيرة التى بلغت حد أن جعلته بطلنا نحن العرب، من خلال واقعة سفينة «مرمرة» والانسحاب الكبريائى من منصة الخطابة فى دافوس، ومئات التصريحات التى تذكر مسلمينا بأيام عز الخلافة العثمانية، ثم أخذ زمام المبادرة فى دعم الثورة السورية، وتبنيها والرهان الاستراتيجى على نجاحها.
ونحن العرب، نتمتع بعاطفة مفرطة، «كلمة تودينا وكلمة تجيبنا» ورحم الله أيام أحمد سعيد حين كنا نرى النصر مع كل تعليق.
أما أردوغان فقد بلغ تعلقنا به حد اعتناق انجازاته، وحفظها عن ظهر قلب، من معدلات النمو الاقتصادى، إلى النجاحات المتواترة فى الانتخابات، إلى وضع حد نهائى لنزوات الجنرالات وعهد العسكر والانقلابات.
•••
بعد كل هذا، أين الغلطات؟ وكيف وقع فيها الشاطر؟ وهل من مجال للرجوع عنها؟.
الغلطة الاولى: حين تعامل رئيس الوزراء اللامع مع التظاهرات فى ميدان «تقسيم» حيث ادار ظهره لها، وواصل رحلته إلى الجزائر، ويا ليت الامر وقف عند هذا الحد، بل استعار من السادات قولته حين وصف التظاهرات الشعبية التى ملأت شوارع وميادين مصر «بانتفاضة الحرامية»، لقد ظل هذا المصطلح يلاحق الرجل حتى بعد أن تحررت سيناء فى عهده، ورفعت أعلام مصر على مدنها جميعا، ذلك بعد انتصارات جيش مصر العظيم فى العاشر من رمضان المشهود.
الغلطة الثانية: حين ملأ ميادين المدن التركية بالأنصار «وعاير» الشعب التركى بالانجازات التى حققها حزب العدالة والتنمية، وكأنه يستثمر الانجاز وكثرة العدد فى نوع من الديكتاتورية المستجدة، وليس أمام الأطياف الأخرى فى الدولة والمجتمع إلا الإذعان.
إن الشعوب تحترم الاكثرية، وتثمن الانجاز، إلا انها تنفر من اساءة الاستخدام، خصوصا أن صناع الانجاز هم الشعب كله وليس مجرد حزب فاز فى الانتخابات!
الغلطة الثالثة: لقد تسرع اردوغان، فى تبنى موقف حاد مما يحدث فى مصر، لقد آثر استبدال مصر المؤسسات والدولة والتاريخ «برابعة العدوية». وربما لو تعاطى الزعيم التركى مع الشأن المصرى بحيادية، لحقق مصالح تركيا بصورة افضل بكثير مما فعل حتى الان. كان بوسعه ان يلعب دور الوسيط بين العهد الجديد فى مصر، وفصائل الاسلام السياسى وواجهتهم الحالية جماعة الاخوان المسلمين، انه الاكثر تأهيلا للعب دور كهذا، ولم لا؟ فقد أدى وساطة كادت أن تنجح بين سوريا واسرائيل، وكان يمكن أن يؤدى وساطة فعالة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، خصوصا بعد ان انهى ذيول قضية مرمرة، بتسوية اهم نتائجها خفض منسوب التوتر بين تركيا واسرائيل.
•••
إن كل هذه المزايا، لم تعد متاحة ــ الآن على الاقل ــ بعد أن فرز اردوغان تركيا إلى جانب رابعة العدوية فقط، فإذا به يبدو كالمنبت لا ارضا قطع ولا ظهرا ابقى.
إن غلطات الشاطر اردوغان، يمكن أن تعالج بكثير من الكياسة والسلوك المرن مع المعارضة الداخلية، وكثير من التوازن فى امر السياسة تجاه مصر، أما سوريا فلا احد يعرف على وجه الدقة حجم الكسب والخسارة التركية من وراء هذه المسألة الشائكة، لأن الملف ما يزال مفتوحا، ونتائج الصراع فى علم الغيب. واراهن على ان موقف اردوغان مما يحدث فى مصر، سيؤثر سلبا على مصداقية موقفه مما يجرى فى سوريا، فالرجل انحاز بصورة غير مناسبة، وفى وقت غير مناسب، وتبريرات سطحية للإسلام السياسى، وبجرة قلم ألغى الهامش الذى صنعه لنفسه ولتجربة حزبه فى تركيا، فدمج نفسه مع إسلام سياسى يتراجع فى العالم العربى كل يوم، وختم موقفه الذى حاز على اعجاب العرب والمسلمين فى الشأن السورى، بختم الإسلام السياسى بعد ان كان بوسعه ان يسوقه وفق الشعارات الدارجة، الديمقراطية والتعددية وما إلى ذلك.
إن مصالح تركيا هى مع مصر ودول الخليج وباقى الكيانات الوطنية فى العالم العربى، ورؤية المصالح الحقيقية لدولة بحجم تركيا يحتاج إلى بوصلة دقيقة تحدد الاتجاه. ثم إن اردوغان ينبغى أن يعرف اكثر من غيره، أن العالم الذى اعتمد صندوق الاقتراع وكرس اختبار المائة يوم الأولى كحكم مفصلى على الأداء. والعالم كذلك وضع علاجا للفائزين من داخل الصناديق حال فشلهم بأن أقرّ الاستفتاء أو الانتخابات المبكرة، هذا العالم الذى وضع الديمقراطية وضوابطها لا يحق لأحد أن يستثنى مصر منها لمجرد أن فيها حزبا يلتقى مع حزب اردوغان فى حاضنة الإسلام السياسى، ولقد عرضت هذه الخيارات والحلول على اخوان مصر فرفضوها.
•••
أخيرا أقول..
إن العرب ومصر بالذات، بحاجة إلى صداقة تركيا، مثلما تركيا بحاجة إلى صداقة مصر، لهذا ما زال الوقت مناسبا كى يراجع اردوغان موقفه وسياسات بلاده تجاه مصر بالذات، وأن يضع فى اعتباره ذلك الفرق الهائل بين مصر كلها وبين ميدان رابعة العدوية بكل ما يحمل وراءه من مدلولات.