رمضان غريبًا
غادة عبد العال
آخر تحديث:
السبت 10 أغسطس 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
دائما ما يشبه الكتاب رمضان بزائر أو ضيف عزيز.. ننتظر قدومه على أحر من الجمر.. ونرتب له زينته وطعامه ونشحن فى انتظاره بطاريات الإيمان.. وعندما تنتصف مدة الزيارة.. يصدح «رشدى» بصوته المنعش «تم البدر بدرى» بلحنها المميز (قبل ما مصطفى كامل يسرقه ويعمله مطلع أغنية للجيش) فنبدأ فى الإحساس بأن الوقت سرقنا.. وما أكرمناش ضيفنا المميز كما يستحق وكما كنا نتمنى.. لكنه يستعد لمغادرتنا مبتسما وهو بيوعدنا إن السنة الجاية مش بعيدة وكلها ١١ شهرا وهيهل علينا ضيفا من جديد، أما السنة دى فتخيل معايا رمضان كده.. واحد واقف قدام الباب وعينيه بتطق شرار واحنا متعلقين فى رجله وبنبوسها: «ما تسيبناش.. الله يكرمك خليك شوية».. وهو يجر فى رجله بعيد عنا.. مش طايق أى جزء منا يلمس أى جزء منه.. ولا كأنه من سكان مدن الناس الأغنيا اللى بيعلنوا عنها فى التليفزيون وطلعله واحد فقير من اللى بيشجعوه يسكن فى آخر الدنيا عشان عينيه ما تقعش عليه ويفتكر إنه موجود.. نفكره بالجيرة وبعشرة ٢٠ يوم وشوية ما عملناش فيهم حاجة كبيرة قوى يعنى.. يرمى شنطته من إيده ويمسكنا من رقبتنا ويحطنا قدام أى شاشة تليفزيون.. ويمسك بالريموت ليقلب بين القنوات.. «مافيش حاجة كبيرة قوى؟.. طب بصوا جوه البتاع ده اللى مستعبدكم ومخليكم قاعدين قدامه وكأن جواه سر الخلود «ويبتدى يعددلنا فى اللى احنا بنعمله وعملناه.. يسألنا.. قنوات أخبار دى والا صفحة وفيات؟.. يشاور على الشوارع اللى بقت مصافى للدم..» وفى شهر حرام؟.. فى رمضان؟.. أمال فى سبتمبر هتعملوا إيه؟ «يقلب القناة على برنامج حوارى ويسأل:
« مناقشات دى والا معارك حربية؟».. ويسألنا إذا كان اللى بندور عليه هو فعلا مستقبل أحسن والا كل اللى بندور عليه هو طريقة ننسف بيها روس بعض وتحين لوقت قطاف الرقاب؟.. وإذا جه قدامه بالصدفة.. عمل من الأعمال الفنية المسماه بالـ«رمضانية» مش هيحتاج يعبر عن صدمته من حوارات أبطال المسلسلات اللى أصبحت السنة دى باتفاق الجميع ولا حوارات البارات وكأن العمل الفنى ما يبقاش عمل فنى إلا إذا كان كالمراية اللى بتعكس صورة باكبورتات المجتمع حتى آخر صرصار.. وإذا حبينا نستظرف أو نهون عليه وشاورنا حتى على برنامج ترفيهى هنا أو هناك هيشير لنا فى هلع إن كلها ما هى إلا وسيلة ترويع وتشفى بإثارة الرعب ودفع الناس لحافة السكتة القلبية.. لو حاولنا نثبتله نياتنا الطيبة وفرجناه على كمية إعلانات الجمعيات الخيرية وجمع التبرعات.. هيوضحلنا بأسى أد إيه الإعلانات دى بتعتمد فى الأساس على استغلال المرضى والمحتاجين ووضعهم فى موقع محرج ومهين فقط من أجل حفنة من الجنيهات. كل سنة بيمر علينا رمضان وشعارنا الأول فيه بيكون «السنة دى احنا ما حسيناش برمضان» أو «رمضان السنة دى أغرب رمضان».. وإذا كنا كل سنة بنقولها بمبالغة وغالبا ما بنعنيهاش.. أعتقد إن السنة دى بنعنيها.. ورمضان السنة دى هو فعلا أغرب رمضان عدى علينا من زمان.. كل سنة كنا بنستنى من رمضان الكثير.. وبنستنى من نفسنا الأكثر، بنستنى البهجة والسعادة والراحة النفسية والكرم، ننتظر نسخة محسنة من أنفسنا.. وبنلاقيها وبنتفاجأ بيها وكأن معادننا الحقيقية لا يظهرها سوى ضوء هلال هذا الشهر اللى بيكشف لنا فى أنفسنا أحلى الصفات.. أما السنة دى فكأن الشهر الكريم حس بيننا بالغربة.. لأول مرة منذ سنوات وعلى عكس كل سنة وهو بيحمل حقيبته وبيستعد للانصراف كان بيحرك رأسه أسفا وحزنا على اللى حصل واللى بيحصل واللى لسه هيحصل بعد الفراق.. رغم كده أكيد بيدعو وبندعو إنه ييجى السنة الجاية فيلاقينا فوقنا من الغمة اللى احنا فيها، ومد كل منا إيده للمختلفين، وحط كل منا قدامه قيم رمضان فى كل حاجة بيعملها مخصوصة للشهر الكريم، لتعم روح رمضان الجميلة على كل شخص وكل بيت وكل عائلة وكل طفل.
فلنجتهد العام القادم، حتى لا يأتى رمضان غريبا، وإنما ضيف عزيز يشعر أنه «صاحب بيت»، يحرص أصحاب البيت على الحفاظ على ابتسامته الصافية، ومزاجه الرائق، وسعادته المشعة اللى بتلمس أعمق نقاط أرواحهم فتملأ نفوسهم بالبهجة والسعادة والكرم والتسامح والإخاء.