مأثرة مصرية.. خيبة عراقية
صحافة عربية
آخر تحديث:
الإثنين 10 أغسطس 2015 - 8:35 ص
بتوقيت القاهرة
فى سنة واحدة فقط أنجز المصريون ما تُعد معجزة هندسية، هى الثانية لهم فى غضون أقل من نصف قرن. المعجزة الأولى هى السد العالى فى أسوان الذى بناه المصريون فى ستينيات القرن الماضى بمساعدة السوفييت. أما المعجزة الجديدة فهى قناة السويس الثانية التى افتتحت للتو. من دون مساعدة أحد هذه المرة، حقق المصريون معجزتهم الأخيرة، فبثمانية مليارات دولار جمعوها من مدخراتهم (سندات خزينة)، وفى غضون 12 شهرا فقط، حولوا حلمهم الكبير إلى حقيقة، فحق لهم الفخر بأنفسهم واستحقوا الإعجاب من سائر شعوب العالم.
لم يتذرع أحد فى مصر بأعمال العنف والإرهاب المتصاعدة وبحال عدم الاستقرار السياسى التى شهدتها البلاد فى السنوات الأربع الماضية، ولا بشح الموارد فى بلد لم تزل موازنة دولته تعتمد على المساعدات الخارجية، لصرف النظر عن تنفيذ هذا المشروع الكبير، أو التلكؤ فى العمل فيه والتباطؤ فى إنجازه.
«إياكِ أعنى، فاسمعى يا جارة».. هذا ما أريد قوله تعليقا على المأثرة المصرية الجديدة. وليست هذه الجارة بالطبع سوى الطبقة السياسية المتنفذة هنا فى العراق منذ العام 2003 حتى الآن، فهذه الطبقة، وهى «إسلامية» بأغلبيتها، لم تستطع أن تُنجز لنا شيئا ذا قيمة طوال 12 سنة ضخ عليها النفط وحده أثناءها أكثر من 500 مليار دولار.
بثمانية مليارات دولار فقط شق المصريون قناة سويس ثانية بطول 35 كيلومترا وبعرض317 مترا وبعمق 24 مترا. ولم يقتصر الانجاز المصرى على مجرى القناة الجديدة، ذلك أنه اشتمل أيضا على توسيع وتعميق تفريعة البحيرات الكبرى بطول نحو 27 كيلومترا وتفريعة البلاح بطول نحو عشرة كيلومترات، ليصل إجمالى طول مشروع القناة الجديدة إلى 72 كيلومترا.
مع الخمسمئة مليار دولار، أو أكثر، التى تدفقت عليها، لم تُفلح الطبقة السياسية التى تحكمنا وتتحكم بمقادير بلدنا وبمصائرنا، فى بناء سد مثلا، ولم تستطع حتى فتح جدول أو إنشاء طريق.. بل لم تقدر حتى على رفع الازبال من الشوارع والساحات والأحياء ليس فقط فى العاصمة بغداد، وإنما أيضا فى أصغر المدن التى هى مراكز الأقضية والنواحى!
ما السر فى هذا؟.. لابد أن هنالك سرا يكمن خلف نجاح الطبقة السياسية فى مصر فى غضون 12 شهرا بتحقيق معجزة قناة السويس الثانية بثمانية مليارات دولار مجموعة من مدخرات الناس، ووراء فشل طبقتنا السياسية، فى المقابل، بفتح جدول أو طريق أو تنظيف بلدة صغيرة.
نعم ثمة سر.. إنها الوطنية.. الطبقة السياسية المصرية وطنية، فيما طبقتنا السياسية تتراوح وطنيتها بين النقصان الشديد والانعدام تماما، فهى غارقة إلى هاماتها فى مستنقع الفساد الإدارى والمالى الذى لم يبقِ من أكثر من 500 مليار دولار نفطى ولو ربع مليار دولار لشق جدول أو إنشاء طريق أو تنظيف مدينة!
الحركة الاحتجاجية الجارية فى البلاد الآن لن يتحقق لها ما تريد مع طبقة سياسية كهذه.
عدنان حسين
المدى ــ العراق