إعلان قيام إسرائيل

أحمد عبدربه
أحمد عبدربه

آخر تحديث: السبت 10 أغسطس 2024 - 7:15 م بتوقيت القاهرة

منذ اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين فى نوفمبر من عام ١٩٤٧، كان العد التنازلى لإعلان الدولة العبرية قد بدأ بالفعل. كانت بريطانيا قد حزمت أمرها لتقرر إنهاء الانتداب وحددت لذلك منتصف ليل الخامس عشر من مايو ١٩٤٨. فيما كان العرب قد قرروا عدم الاعتراف بالدولة اليهودية التى أقرتها الأمم المتحدة، أما فى إسرائيل والتى كانت حتى تلك اللحظة فتسمى «إيرز إسرائيل» أو بالعربية «أرض إسرائيل»، فقد أخذ قادتها على اختلاف توجهاتهم فى التحضير لمرحلة ما بعد إنهاء الانتداب البريطانى!
على الأرض، كانت الحرب الأهلية بين العرب واليهود تدور رحاها، بينما اكتفت الأمم المتحدة وغيرها من الدول العظمى بإرسال المناشدات الديبلوماسية لإنهاء الصراع، فيما وقفت بريطانيا تشاهد هذه التطورات ولا تتدخل إلا بأقل القليل رغم امتلاكها السلطة الفعلية على فلسطين التاريخية. عرضت الولايات المتحدة أيضًا الهدنة على الطرفين، لكن الصراع على الأرض لم يكن من الممكن إيقافه بأى شكل بل كانت حربًا أوسع بالفعل تلوح فى الأفق.
بين قادة الصهيونية، كان السؤال الذى يشغل معظم حواراتهم واجتماعاتهم هو ما الذى يتوجب علينا فعله بعد انتهاء الانتداب البريطانى؟ كان هناك اختلاف فى الآراء بين مجموعة ترى أنه وبمجرد انتهاء الهدنة فلا بد من إعلان قيام الدولة، وبين مجموعة ترى ضرورة الاستجابة لعرض الهدنة الأمريكى وتأجيل إعلان الدولة لحين تطبيق قرار الأمم المتحدة سالف الذكر.
انتصر الفريق الأول بقيادة بن جوريون رئيس الوكالة اليهودية والذى سيصبح بعد ذلك أول رئيس لوزراء إسرائيل. كانت وجهة نظر بن جوريون أنه ما دام لم يقبل العرب قرار التقسيم، فالحرب معهم مجرد مسألة وقت، وفى هذه الحرب لا بد للدولة أن تكون قائمة بالفعل على الأرض للتفاوض من أرضية صلبة حينما يحين الموعد!
• • •
فى ١٢ أبريل من عام ١٩٤٨ تم تشكيل «إدارة الشعب»، والتى كانت بمثابة حكومة مصغرة مؤقتة للدولة اليهودية. كانت هذه الحكومة مشكلة من ١٢ وزيرًا بالإضافة إلى بن جوريون كرئيس مؤقت لها ووزير للدفاع، اجتمعت الإدارة فى ١٢ مايو من نفس العام وقامت بالتصويت لصالح إعلان الدولة فى ١٤ مايو بأغلبية ٦ ضد ٤، بينما تغيب ثلاثة وزراء عن الحضور. كان المصوتون ضد قرار إعلان الدولة فى هذا اليوم ممن يريدون إعطاء عرض الهدنة الأمريكية فرصة قبل إعلان الدولة.
كانت صيغة الإعلان نفسها قد أوكلت مهمتها إلى لجنة ترأسها المستشار القانونى للاتحاد العام للنقابات (الهستدروت)، وتم عرضها على مجلس الدولة المؤقت، والذى كان قد تم تأسيسه أيضًا فى ١٢ أبريل مع الحكومة المؤقتة. كان مجلس الدولة بمثابة برلمان مؤقت تكون من ٣٧ عضوًا، حيث مثل ٣٦ عضوًا ١٥ حزبًا ومجموعة سياسية مختلفة، مع وجود عضو واحد فقط مستقل، وكانت الأغلبية فيه لحزب ماباى، وهو حزب العمال الصهيونى، الذى سيتحول لاحقًا إلى حزب العمال الإسرائيلى الشهير.
صوت مجلس الدولة بالإجماع فى ١٤ مايو على الصياغة النهائية لإعلان الاستقلال. رغم هذا الإجماع، كان هناك أربعة أمور قسمت المجلس؛ الأمر الأول هو ما إذا كان يجب أن يتضمن إعلان الاستقلال تعيين لحدود الدولة، والثانى عن الاسم الذى يجب أن تتخذه الدولة رسميًا، والثالث مسألة اللغة، والرابع مسألة الدين.
فيما يتعلق بالنقطة الأولى، كان يرى بعض الأعضاء ضرورة أن يتضمن الإعلان تعيين حدود الدولة وفقًا لقرار التقسيم الأممى، لكن كانت ترى وجهة النظر الأخرى - التى تزعمها بن جوريون- أنه ما دام أن الحرب مع العرب ستكون وشيكة فلا بد أن يترك تعيين حدود الدولة لنتيجة الحرب، بحيث لو تمكن الجيش العبرى من فرض واقع جديد على الأرض أكبر ما أعطته الأمم المتحدة لليهود، فلما يجب عليهم أن يقيدوا أنفسهم بقرار التقسيم؟
أما فيما يتعلق باسم الدولة الجديدة، فقد كانت هناك اقتراحات لأسماء عدة، منها استمرار اسم «أرض إسرائيل»، أو أن يكون المسمى «إسرائيل» فقط، بينما اقترح البعض أن يكون الاسم «يهودًا» أو «صهيونًا» ضمن عدة أسماء أخرى (من ضمنها اقتراح بأن يكون الاسم فلسطين!)، لكن تم الإجماع فى النهاية على اسم «إسرائيل»!
فيما يتعلق باللغة، فنظرًا لأن سكان إسرائيل المهاجرين حديثا - خصوصًا بعد بداية الحرب العالمية الثانية حتى هذه اللحظة لم يكونوا قد أجادوا التحدث بالعبرية، فقد اقترح البعض التأكيد على التعددية اللغوية للدولة، فيما رأى البعض الآخر ضرورة التمسك بالعبرية كلغة رسمية للدولة، وذلك حتى يمكن بالفعل فرض تعلمها على كل سكان الدولة وشعبها. انتصر الرأى الثانى وتم اعتماد العبرية كلغة رسمية، بينما تمت الإشارة فقط إلى احترام التعددية اللغوية للدولة.
أخيرًا فيما يتعلق بالدين، فرغم أن الأساس للدولة كان يهوديًا، لكن كان بعض الصهاينة العلمانيين يفضلون عدم وجود إشارات دينية صريحة للتأكيد على علمانية إسرائيل وأن قوميتها - لا دينها - هى اليهودية، لكن فى المقابل كانت التيارات الدينية تريد تضمين عبارات دينية لتأكيد هوية الدولة اليهودية، وفى النهاية تم استخدام حل وسط، حيث تمت الإشارة فى الإعلان إلى «صخرة إسرائيل»، والتى قد تعنى إله اليهود أو قد تشير أيضًا إلى أرض إسرائيل!
• • •
تم الاجتماع الرسمى لإعلان الدولة فى الرابعة عصرًا بالتوقيت المحلى يوم ١٤ مايو فى متحف تل أبيب، وحرص المجتمعون على عدم الإعلان المسبق عن موعد ومكان الإعلان لتجنب أى هجوم من العرب أو القوات البريطانية، ليصدر الإعلان الرسمى مدشنًا الدولة الإسرائيلية تحت عنوان «إعلان إنشاء دولة إسرائيل».
تكون الإعلان من ثمانى عشرة فقرة باللغة العبرية، شرحت أول أربع فقرات من الإعلان «الحقوق التاريخية» المدعاة لليهود فى فلسطين التاريخية، بينما شرحت الفقرات من الخامسة حتى الحادية عشرة المسوغات الدولية والقانونية، التى تؤيد الحق الإسرائيلى فى الوجود بدءًا من وعد بلفور، مرورًا بالحرب العالمية الثانية والهولوكوست، وصولًا إلى قرار التقسيم الأممى.
كانت الفقرة الثانية عشرة هى الإعلان الرسمى عن إنشاء الدولة، مع التأكيد على تأسيس جمعية لوضع الدستور فى فترة لا تتجاوز الأول من أكتوبر لعام ١٩٤٨، على أن يستمر عمل مجلس الدولة وإدارة الشعب بشكل مؤقت كسلطتين تشريعية وتنفيذية، لحين عقد انتخابات جديدة. كذلك نصت هذه الفقرة على فتح باب الهجرة أمام يهود العالم للدولة، كما ادعت هذه الفقرة أن إسرائيل دولة تقوم على العدل والمساواة وحرية الأديان والعدالة ومبادئ الأمم المتحدة!
أما باقى فقرات الإعلان عن تأسيس الدولة فقد كانت مناشدات للأمم المتحدة ودول العالم ويهود العالم للتعاون مع الدولة الجديدة، وتأييد حقها فى الوجود، وأخيرًا التأكيد على استعداد إسرائيل للتعاون مع «جيرانها»!
• • •
كانت الولايات المتحدة هى أول المعترفين بإسرائيل، ثم توالى اعتراف العديد من الدول، لكن لم تحصل إسرائيل على عضوية الأمم المتحدة سوى بعد مرور عام كامل على الإعلان وذلك تحديدًا فى ١١ مايو من عام ١٩٤٩ وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ٢٧٣، بعد أن صوتت ٣٧ دولة لصالح القرار، وعارضته ١٢ دولة، فيما امتنعت ٩ دول عن التصويت.
كان من أبرز المصرتين لصالح القرار الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى وفرنسا والصين (الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن)، بالإضافة إلى الأرجنتين وكندا وتشيلى وكوبا وتشيكوسلوفاكيا وهولندا وجنوب أفريقيا. أما أبرز المصوتين ضد القرار فقد كانت الدول العربية (مصر، العراق، لبنان، السعودية، سوريا، اليمن)، بالإضافة إلى إيران وأفغانستان وباكستان والهند وبورما (ميانمار حاليًا) وإثيوبيا. أما الممتنعون فكان أبرزهم تركيا اليونان، المملكة المتحدة، السويد، والبرازيل.
كانت حقيقة جديدة تتشكل فى العالم العربى، وستكون هذه الحقيقة هى محور التفاعلات السياسية والثقافية والاقتصادية فى المنطقة لعقود عدة.


أستاذ مشارك العلاقات الدولية والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved