أمريكا بعد 10 سنوات من 11 سبتمبر


السيد أمين شلبى

آخر تحديث: الأحد 11 سبتمبر 2011 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 التى تعرض لها رموز القوة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية وهز الصورة التقليدية عن الأمن الذى كانت تشعر به، ونقل هذا التهديد من الخارج إلى الداخل، جاءت لكى تقدم المفتاح لما سوف تتبناه إدارة جورج بوش الابن من مفاهيم واستراتيجيات تبعد الولايات المتحدة الأمريكية عن النظريات التى وجهت سياساتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وطوال الحرب الباردة، وتعتبرها إدارة بوش نظريات لم تعد تكفى لمواجهة التهديدات التى تواجه الولايات المتحدة، وهكذا تبنت ونفذت الإدارة مفاهيم الحرب العالمية على الإرهاب والعمل المنفرد unilateralism، والضربات الاستباقية Preemption Strikes وتجاهل المنظمات الدولية، واعتبارها عقبة أمام السياسات الأمريكية، والتخلى عن عدد من الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية كيوتو للمناخ وتبنى مفهوم الترويج للديمقراطية. وبفعل هذه المفاهيم شنت الإدارة وانخرطت فى حربين فى أفغانستان والعراق، وإذا كانت الحرب الأولى قد لقيت الفهم بل والمشاركة من أصدقاء وحلفاء أمريكا واعتبارها حرب ضرورة war of necessity فإن الحرب على العراق التى اعتبرت حرب اختيار war choice فقد لاقت اعتراضا حتى من أقرب حلفاء أمريكا وأدت إلى شرخ فى العلاقات معهما. أما المسرح الرئيسى لهذه الأحداث وهذه النظريات فكان الشرق الأوسط بمعناه الجيوستراتيجى الأوسع، والذى تعاملت معه الإدارة الأمريكية من منظار أحداث 11 سبتمبر، ومن هنا كان مفهوم الترويج للديمقراطية ومشروعات الشرق الأوسط الكبير The broader Middle east

 

وهكذا انتهت إدارة جورج بوش وأمريكا فى حربين داميتين، وثبت ان إحداهما وهى الحرب على العراق قد شنت وفقا لمفاهيم وتقديرات ثبت فسادها، وكلفت الخزانة الأمريكية 4 تريليونات دولار، وأكثر من 1600 قتيل أمريكى، وأصبح المطلوب مجرد إيجاد مخرج آمن ومنظم للولايات المتحدة منها، وقد ازدادت الأمور تعقيدا بأن شهدت الشهور الأخيرة للإدارة أزمة مالية واقتصادية بدأت فى الولايات المتحدة هزت مؤسساتها المالية والمصرفية بشكل ذكر بالركود العظيم فى الثلاثينيات وتحولت هذه الأزمة إلى أزمة مالية عالمية ضربت النظام المالى والاقتصادى العالمى وكان معناها الرئيسى هو إنهاء الاحتكار الأمريكى للنظام المالى العالمى.

 

●●●

 

وسط هذه الظروف جاءت الانتخابات الرئاسية الأمريكية نوفمبر 2008 وظهر على مسرحها شاب أمريكى اسود من أصول افريقية مسلمة ونشأة آسيوية، جاء لكى يجذب الناخب الأمريكى ليس فقط بقدراته الخطابية والبلاغية وإنما أيضا برسالته وما تحمله من وعود «بالتغيير» والقدرة على ذلك رغم المشكلات الصعبة، وعد أوباما بتصحيح الأوضاع، وكانت فى مقدمة وعوده إنهاء الوجود الأمريكى فى العراق وعودة الجنود الأمريكيين وتصحيح صورة أمريكا المتدنية فى العالم والعالم الاسلامى بوجه خاص، وإعادة علاقات أمريكا مع العالم وإنهاء التوتر فى علاقاتها مع قوى مثل روسيا وبناء علاقات مستقرة مع الصين والعمل على بناء تحالفات وشركاء دوليين، وليس العمل المنفرد. أما الشرق الأوسط ومعضلاته، فقد وعد بالعمل على إنهاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى ومد يد الحوار مع إيران حول برنامجها النووى، أما قضية الديمقراطية فقد اختلف خطابه حولها عن خطاب بوش الذى اعتمد على الإملاء والفرض، وداخليا تركز خطابه على التزامه بتنفيذ مشروع الرعاية الصحية، وقد انتهت الانتخابات الأمريكية بمجىء هذا الصوت الجديد ممثلا ثورة فى النظام السياسى الأمريكى الذى لم يكن الكثيرون يتوقعون أن يجىء رئيس اسود فضلا عن أصوله المسلمة.

 

هكذا تسلم باراك أوباما الحكم فى يناير 2009 بتركة مثقلة كان آخرها الأزمة المالية التى هزت الاقتصاد الأمريكى. وبدأ أوباما وبدأ العالم يتابع وعوده وعلى مدى عامين ورغم انه بدأ ملتزما بوعوده سواء بإنهاء الحرب فى العراق، أو التوصل إلى تسوية فى الشرق الأوسط أو حل أزمة البرنامج النووى مع إيران دبلوماسيا إلا أنه ما لبث ان تكشف له تعقيدات الواقع وانها كانت أكثر مما قدر، فبرغم استمرار التزامه بالانسحاب من العراق إلا أن الأوضاع الأمنية فى العراق استمرت فى تأزمها، وفى أفغانستان التى اعتبرت إنها المسرح الحقيقى للإرهاب وللمشكلات التى تواجه أمريكا، ورغم زيادة عدد القوات فيها، إلا إن قدرات القاعدة وطالبان استمرت فى تأكيد نفسها واستمر ضعف وعدم الثقة فى نظام «كرازاى»، اما فى النزاع الفلسطينى الإسرائيلى فبرغم ما أبداه أوباما منذ أيامه الأولى فى الحكم من اهتمام بإحياء عملية المفاوضات على أساس مبدأ حل الدولتين، وإنهاء ووقف المستوطنات الإسرائيلية، إلا أنه بتحدى «بنيامين نتنياهو» وائتلافها اليمينى المتطرف لهذه المبادئ وخاصة المستوطنات، وهو ما جعل أوباما يعترف أنه أساء تقدير صعوبات المشكلات. وأما إيران فإن سياسة اليد الممدودة لإيران لم تلق استجابة من الحكم فى إيران الذى ازداد تعقيدا بانتخابات الرئاسة الإيرانية فى يوليو 2009، وفى المقابل اتجهت الإدارة الأمريكية إلى تعبئة الرأى العام الدولى فى اتجاه فرض عقوبات إضافية على إيران، وهكذا انتهى العام الأول لإدارة أوباما وسط نوع من إخفاق التوقعات والوعود والمفاهيم التى جاء بها، وفى منتصف العام حاول أوباما ان يحيى الأمل ويؤكد الوعود وخاصة فى علاقات أمريكا بالعالم الإسلامى، وتوجه برسائل مباشرة إلى المراكز المهمة فى هذا العالم بزيارته وخطبه فى تركيا والسعودية وأهم من هذا خطابه المحمل بالرسائل فى القاهرة فى يونيو 2009، وكانت رسالته الأولى هو إعادة بناء العلاقات بين أمريكا والعالم الإسلامى على أساس من الاحترام والتعاون المتبادل. غير انه وبعد مرور شهور على هذا الخطاب، ظلت القضايا الرئيسية للخطاب، وفى مركزها الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، بلا تقدم وبدا أوباما وإدارته أمام الرأى العام العربى والإسلامى بلا قوة فى مواجهة التشدد الإسرائيلى.

 

غير أن العام الثانى لإدارة أوباما بدأ بما يشبه «العودة»، أو اكتساب الثقة وأرضية جديدة، بدا هذا فى معالجته للأزمة المالية العالمية فرغم أن الأزمة لم تتبدد تماما، إلا أن سياسات أوباما فى التعامل معها أعادت شيئا من الاستقرار فى النظام المالى والاقتصادى الأمريكى فوقف على قدميه أما الانجاز الداخلى الأكبر فقد كان فى الحصول على تأييد الكونجرس الأمريكى لمشروعه فى التأمين الصحى الذى يدخل أربعون مليون مواطن أمريكى تحت مظلة الرعاية الصحية. وخارجيا ركز أوباما على قضية مهمة للأمن الأمريكى والعالمى وهى قضية التسلح النووى، ففى براغ عام 2009 تصور أوباما عالما خاليا من الأسلحة النووية، ثم قرن هذا بالتوصل فى مارس 2010 إلى اتفاقية مع روسيا حول خفض أسلحتها النووية والاستراتيجية ــ كذلك تعامل أوباما مع ما يمثل هاجسا أمريكيا وهو إمكانية انتشار ووصول المواد النووية إلى قوى ومنظمات غير مسئولة فعقد فى 12ــ13 مارس مؤتمر الأمان النووى Nuclear Security لتشديد الرقابة الدولية على هذه المواد.

 

●●●

 

مع هذا السجل المختلط لإدارة أوباما ما بين الإنجاز والإخفاق تحل ذكرى مرور 10 سنوات على أحداث 11 سبتمبر وأمريكا ورئيسها يقفان على مفترق طرق وفى حيرة حول قضايا أمريكا الداخلية والخارجية: داخليا حول مصير الاقتصاد الأمريكى وتحرره من الأزمة المالية التى مازالت تتصارع معها ومع تداعياتها والتى أفقدت الولايات المتحدة قيادة الاقتصاد العالمى، كما تقف داخليا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية فى مفترق طرق بين حصول أوباما على ولاية ثانية يحقق فيها ما لم يستطع تحقيقه من أجندته التى جاء بها، وخارجيا مع مصير التورط الأمريكى فى العراق وأفغانستان، ومع القضية الأشمل حول دور ومكانة أمريكا فى النظام العالمى وهل ستحافظ على هذا الدور ام ستفقده امام صعود قوى جديدة وفى صدارتها الصين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved