عملية (شيطنة) الثورة
وائل قنديل
آخر تحديث:
الأحد 11 سبتمبر 2011 - 9:00 ص
بتوقيت القاهرة
كان كل شىء رائعا فى ميادين التحرير حتى المساء، حيث أعلن الداعون لمليونية تصحيح المسار انتهاء فعاليات اليوم واستعدت جموع المتظاهرين لإخلاء المكان ،غير أن سيناريو آخر كان قد وضع مسبقا لكى لا يمر اليوم على خير، وتظهر الثورة على أنها عمل شيطانى تخريبى والثوار على أنهم مجموعة من الأبالسة والبلطجية. ومع دخول الليل تحركت البوم والخفافيش لتحيل بهاء المشهد وروعته إلى قبح وتشوهات، وبالتزامن تنطلق الآلة الإعلامية القديمة لضخ كميات هائلة من السخائم والشتائم والتحليلات العبيطة لما يجرى، وكأن فخا أو كمينا نصب مبكرا وجاءت لحظة القبض على الثورة متلبسة بممارسة الخراب والفوضى والانفلات فى أعنف صوره. غير أن الموضوعية تتطلب النظر إلى الصورة من جميع الزوايا، بدءا من أحداث الألتراس فى مباراة الأهلى وليس انتهاء بالفرشة الإعلامية الرسمية التى استبقت المليونية، ومن المهم الإشارة هنا إلى الرسالة رقم ٧٤ من المجلس الأعلى التى حذرت من التعدى على منشآت وهددت بمعاقبة من يقدم على ذلك.
وهو التهديد الذى صدر فى أعقاب تأكيدات منظمى المليونية والداعين لها على سلميتها وانتهائها فى موعدها المحدد عند السادسة مساء دون التفكير فى اعتصام أو تصعيد للأحداث، والسؤال هنا كيف تمكنت مجموعات من الناس الوصول بهذه السهولة الميسرة إلى مقر وزارة الداخلية دون أن يوقفها أحد؟ وكيف ولماذا سكتت الجهات المعنية المحذرة المهددة المتوعدة على زحف المئات إلى مبنى سفارة العدو الإسرائيلى وتسلقه بأعداد غفيرة وما قيل عن دخول المقر والاستيلاء على الأوراق دون أن يوقفهم أحد ويعترض طريقهم أو حتى يمنعهم بالقوة؟ وما سر هذا الصمت الحاتمى أمام ما أعلن عن اقتحام حديقة الأورمان وتخريبها ثم محاصرة مبنى مديرية أمن الجيزة واندلاع أعمال العنف هناك على نحو مخيف؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تبحث عن إجابات قبل أن نعلق المشانق للثورة ونجمع لها الحطب لإضرام النيران فيها، مع الأخذ فى الاعتبارأن الصحف الحكومية صدرت فى طبعاتها الأولى أمس تحمل عناوين عن مرور فعاليات جمعة تصحيح المسار بخير وسلام.
وهنا نسأل مرة أخرى من الذى آلمه وآذاه وأضر به أن يمضى اليوم على خير فقرر أن يطلق شياطينه لتحويله إلى يوم ينتهى بهذا الشكل المناقض لكل الشعارات التى رفعها منظموه؟ لقد كان اليوم أبيض لكن ليلته جاءت سوداء مع سبق التخطيط والإصرار والترصد، وخطأ الثوار القاتل هنا أنهم بعد أن انتهوا من الجهاد الأصغر انصرفوا دون أن يتذكروا واجب الجهاد الأكبر وهو خروج مشهد النهاية بالروعة التى كانت عليها البداية، خصوصا مع علمهم المسبق بأن هناك من يتربص بهذه المليونية ويحارب من أجل إفسادها وتشويه محتواها الحضارى المشروع ونسف مضامينها ومبادئها العظيمة. للأسف أخطأ الثورة عندما تركوا الساحة قبل أن يتيقنوا من تنظيفها من البذور السامة والوطاويط التى زرعها الكامنون للثورة فى الحوارى المظلمة.