مذابح عائلية.. وماذا بعد؟!
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 10 سبتمبر 2018 - 9:55 م
بتوقيت القاهرة
قد لا يكون هناك تفسير واحد جامع مانع يمكن من خلاله فهم أسباب وقوع جرائم القتل البشعة التى نشهدها فى مصر منذ بداية العام الحالى، لكن الأمر الذى يبدو أنه بلا تفسير هو الغياب الكامل لأجهزة الدولة المعنية ومراكز البحوث المختلفة عن القيام بدروها فى رصد وتحليل أسباب ارتفاع معدلات هذه النوعية من الجرائم، وعلاقتها بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وبالقيم الأخلاقية السائدة حاليا!.
مع بداية هذا العام قتل عاطل قهوجيا بالجيزة لخلاف على ثمن كوب شاى، وفى بولاق الدكرور قتل زوج زوجته بعد تركها منزل الزوجية وإقامتها عند أهلها، وفى أسوان قتل شاب أمه وخالته لانتقادهما لتصرفاته، وفى أسيوط قتل موظف صديقه الذى يسكن فى عمارته لعدم قدرته على تسديد 1700 جنيه قيمة إيجار متأخر عليه، وفى الرحاب انتحر رب أسرة بعد أن قتل زوجته وأبناءه، وفى بولاق أيضا قتل ابن فنان شهير زوجته وطفلتيه، وفى فارسكور أب يعترف بقتل طفليه بإلقائهما فى النيل فى جريمة لا تزال يحيط بها بعض الغموض ، وفى دير أبو مقار قتل راهبان رئيس الدير بمنتهى الوحشية، وفى التجمع قتل أب خطيب ابنته بعد أن استدرجته إلى شقة أسرتها، وفى بنها لقى زوج وأبناؤه الأربعة حتفهم بالسم، ومنذ عدة أيام ذبح أب زوجته وأبناءه الثلاثة فى مدينة الشروق، فى أحدث حلقة من هذا المسلسل الدامى.
هذا العنف الهمجى المصاحب لهذه الجرائم لا يعترف بأى فوارق طبقية أو تعليمية، حيث يتواجد فى جرائم الفقراء مرورا بمتوسطى الحال نهاية بفئة المليونيرات، من سكان العشوائيات حتى قاطنى الفيلل والقصور، وهو فى حقيقة الأمر يبدو وكأنه المحطة الأخيرة لسلسلة طويلة من حوادث العنف المختلفة التى نلاحظها بوضوح فى حوادث التحرش المستمرة ضد النساء، وبين المشاة وقائدى السيارات فى شوارعنا المزدحمة، وبين الشباب فى النوادى والمقاهى، وفى معاركنا التافهة على شاشات الفضائيات والتى لم تسلم منها حتى البرامج الفنية والرياضية، بل وفى كل مناحى حياتنا خلال تعاملاتنا اليومية.
أيا كان الأمر، فهذه الجرائم ترسل إشارات تحذيرية خطيرة لما يجرى تحت سطح حياتنا الراكد،، مجتمع يفقد عقله وأعصابه ويرتكب جرائم يومية فى حق نفسه لأسباب تبدو واهية ولكنها تخفى تحتها أزمات طاحنة، هناك نيران تحت الرماد، أشباح فوضى تتراقص فى الأفق، لا يوجد عقل جمعى واع يسيطر على غضب الملايين وجنوحهم ناحية دوائر العنف، ويلهمهم بضرورة البحث عن دروب صحيحة للتغيير، وبناء حياة تليق بالبشر لا بالوحوش.
قد يكون علم النفس السياسى هو الأقدر على تقديم رؤية واضحة لأسباب هذا العنف وكيفية مواجهته، فهذه الجرائم تتزامن مع تغييرات هيكلية يمر بها المصريون، منها الضوابط المحكمة المفروضة على حياتنا السياسية بعد الحريات غير المحدودة التى أعقبت ثورة 25 يناير، ومنها تبنى روشتة صندوق النقد فيما يسمى بالإصلاح الاقتصادى والتى أدت إلى ارتفاعات فلكية فى الأسعار وزيادة أعداد الفقراء، ومنها تشوهات آليات «الضبط الاجتماعى» التى تضع للمجتمع قيمه وأساليب عقاب أفراده والذى تزامن مع انسحاب الدولة تماما عن دورها الحمائى أو الأبوى الذى كانت تلعبه منذ ثورة 52، ومنها وهو الأهم فقدان الثقة فى المستقبل وعدم القدرة على احتمال صعوبات الحاضر وحل مشكلاته أو حتى مواجهة أزماته.. وهو وضع يفرض علينا حتمية إعادة النظر فى كل السياسات التى نتبعها حاليا!.