ممر «زانجيزور».. خلاف إيراني روسي إلى الواجهة


قضايا آسيوية

آخر تحديث: الثلاثاء 10 سبتمبر 2024 - 7:45 م بتوقيت القاهرة

أثار الدعم الروسى المُعلن لافتتاح ممر «زانجيزور» والذى من شأنه ربط شرق جمهورية أذربيجان بإقليم «ناخيتشيفان» الأذرى عبر الأراضى الأرمينية، ودون نقاط تفتيش أرمينية، رفضًا واعتراضًا واسعًا من جانب إيران، وذلك بالنظر إلى ما سيخلفه افتتاحه ــ من وجهة نظر طهران ــ من عواقب جيوسياسية سلبية على المنطقة.
خلال زيارته إلى باكو، أغسطس 2024، تحدث الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» عن حق أذربيجان فى امتلاك ممر برى يربطها بالإقليم. فيما انتقد وزير الخارجية الروسى «سيرجى لافروف» لاحقًا موقف أرمينيا الرافض لإنشاء الممر، مشيرًا إلى أن «القيادة الأرمينية هى التى تخرب اتفاق وقف إطلاق النار، ومن الصعب فهم معنى مثل هذا الموقف». كما أوضحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية «ماريا زاخاروفا»، أن ممر «زانجيزور» يمكن أن يربط بين الأراضى الرئيسية لأذربيجان وناخيتشيفان عبر منطقة «سيونيك» الأرمينية، وأنه سيتم مناقشة رفع القيود عن ممر «زانجيزور» فى إطار محادثات السلام الثلاثية مع أرمينيا.
من جانبها، أكدت طهران، سواء عبر قنواتها الرسمية وغير الرسمية، رفضها القاطع لهذا الممر، معتبرة إياه خطًا أحمر، داعية حليفها الروسى إلى التراجع عن تأييد افتتاح هذا الممر.
برغم ما اتسمت به علاقتهما الثنائية من تقارب كبير، لا سيما فى أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا، يكشف الخلاف الروسى الإيرانى حول ممر زانجيزور عن حدود هذا التقارب، وذلك فى ضوء ما أبرزه الخلاف من مصالح متعارضة لم يتمكن الجانبان من إدارتها بعد.


طبيعة الموقف الإيرانى


اتخذت إيران منذ اللحظة الأولى لإعلان إنشاء هذا الممر موقفًا رافضًا بشكل لا لبس فيه. ففى أعقاب انتهاء حرب «كاراباخ» الثانية، أعلن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية «على خامنئى» عن أنه إذا كان «هناك سياسة لإغلاق الحدود بين إيران وأرمينيا، فإن الجمهورية الإسلامية ستعارض تلك السياسة، لأن تلك الحدود كانت طريقًا للتواصل منذ آلاف السنوات».
وتعقيبًا على موقف موسكو المؤيد للممر، أكد وزير الخارجية الإيرانى «عباس عراقجى» فى الثانى من سبتمبر 2024، عبر منصةX : «السلام والأمن والاستقرار الإقليمى ليس مجرد تفضيل، بل هو ركيزة من ركائز أمننا القومى. أى تهديد من الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب لسلامة أراضى جيراننا أو إعادة رسم الحدود أمر غير مقبول تمامًا وخط أحمر بالنسبة لإيران». ووفقًا لمصادر غير رسمية، فقد أعرب سفير إيران فى موسكو عن احتجاج طهران على مواقف وزارة الخارجية الروسية بشأن ممر زانجيزور.
وخلال لقائه مع سفير روسيا لدى إيران، شدد مساعد وزير الخارجية الإيرانى والمدير العام للشئون الأوراسية «مجتبی دمیرجی لو»، على «دعم طهران السلام والاستقرار الإقليميين، ومعارضتها أى تغييرات فى الحدود المعترف بها دوليًا والوضع الجيوسياسى الراهن»، مؤكدًا على «ضرورة الاهتمام بالمصالح والمخاوف المشروعة لجميع دول المنطقة».
وبحسب ما جاء بتقرير وكالة «تسنيم» للأنباء، التابعة للحرس الثورى الإيرانى، فقد نصح الخبراء الإيرانيون روسيا بأن تضع فى اعتبارها أن طهران تعارض إنشاء أى ممر مهما كان من شأنه أن يربط جمهورية أذربيجان بناخيتشيفان عبر أرمينيا، قائلين إن الروس لا ينبغى أن يُفاجئوا بسماع آراء إيران المشروعة والواضحة والثابتة بشأن هذه القضية.
كما أكد التقرير أنه لا ينبغى لموسكو أن تلجأ إلى فكرة ممر زانجيزور من أجل تسوية النزاعات مع أرمينيا على حساب الدول الأخرى فى منطقة جنوب القوقاز، مشيرًا إلى ما يعنيه إنشاء الممر من إغلاق إحدى بوابات إيران إلى أوروبا وتقليص عدد جيران إيران من 15 إلى 14 دولة، مختتمًا بتوجيه النصح إلى روسيا بضرورة تجنب اتخاذ تدابير قد تضر بالعلاقات الاستراتيجية بين موسكو وطهران، لأن فكرة ممر زانجيزور ستخلق نقطة اشتعال جديدة بالقرب من الحدود الدقيقة للغاية لشمال غرب إيران.


مصالح روسية إيرانية متعارضة


يُعزَى موقف طهران الرافض لهذا الممر إلى عددٍ من الأسباب الرئيسية:
أولًا، تخشى إيران مما قد يسببه افتتاح مثل هذا الممر من عزل طهران جغرافيًا عن أرمينيا، بما يعنيه ذلك بالتبعية عرقلة اتصالها البرى بمنطقة آسيا الوسطى والقوقاز وروسيا، وكذا طريق عبورها الحالى إلى أوروبا، إذ تشكل أراضى أرمينيا بوابة تصدير وعبور للبضائع الإيرانية إلى أوروبا، بما يعنى فقدانها للعديد من المنافع الاقتصادية، خاصة فى ظل ما يهدف إليه الممر من نقل للطاقة من أوراسيا وآسيا الوسطى إلى أوروبا، وبالتالى تقليص الطلب الأوروبى على الطاقة الإيرانية.
ثانيًا، يحرم تنفيذ هذا الممر إيران من العوائد التى تتحصل عليها جراء مرور الصادرات التركية إلى دول آسيا الوسطى عبر أراضيها، بالإضافة إلى حرمانها من كونها نقطة الاتصال الحالية بين أذربيجان وإقليم ناخيتشيفان، بما يعنيه ذلك فقدانها ميزة الرسوم التى تتحصل عليها نتيجة عبور الشاحنات الأذربيجانية عبر أراضيها إلى الإقليم.
ثالثًا، تتخوف إيران من ارتفاع النفوذ الأذربيجانى على حدودها فى حال تنفيذ الممر، الأمر الذى قد يثير الاتجاهات الانفصالية لدى القومية الأذرية داخل إيران، التى تشكل ثانى أكبر قومية، بنسبة تبلغ نحو 22% من إجمالى عدد السكان، يقيمون بالمناطق الشمالية الغربية.
رابعًا، يسود تخوف داخل إيران مما قد يؤدى إليه تنفيذ هذا الممر من خصم لمصالح ونفوذ إيران فى منطقة آسيا الوسطى مقابل تعزيز الحضور والاتصال التركى مع دول هذه المنطقة، بل تعتبر طهران أن أنقرة ــ إلى جانب أذربيجان ــ من أكبر المستفيدين من هذا المشروع نظرًا لما سيتيحه من اتصال مباشر بين تركيا ودول آسيا الوسطى ذات القومية التركية، بما يعزز ويدعم مشروعات وطموحات تركيا القومية فى هذه المنطقة، والتى من شأنها أن تؤثر بالسلب على الدور الإيرانى هناك.
فى المقابل، يتأسس الموقف الروسى الداعم للممر وفقًا للاعتبارات التالية:
أولًا، تنظر روسيا إلى الممر باعتباره طريق اتصال إضافيًا مع تركيا، والتى تعتبرها روسيا شريكًا محوريًا فى طريق تصدير الطاقة الروسية، خاصة فى ضوء ما فرضته العقوبات الغربية من تضييق أمام طرق الاتصال الأوروبية مع روسيا.
ثانيًا، ترغب موسكو من إثارة هذا الملف فى تأكيد دورها كضامن لاتفاق وقف إطلاق النار بين باكو ويريفان، وبالتالى استمرار دورها كمزود للأمن. وبالتالى، يصبح من غير المجدى مناقشة اتفاق للسلام، بعيدًا عن الضامن والوسيط الروسى، وذلك فى ضوء توجه أرمينيا إلى فرنسا للحصول على دعمها كوسيط فى مفاوضات السلام مع أذربيجان.
ثالثًا، فإنه فيما يتعلق بإيران، ينصرف أحد التفسيرات الإيرانية للموقف الروسى إلى رغبة موسكو فى إبعاد طهران عن الغرب، عبر تطويقها بشكل كلى من جانب تركيا وأذربيجان، وذلك فى ظل ما تعهدت به الحكومة الإيرانية الجديدة بشأن سعيها نحو إعادة فتح الحوار مع الغرب حول الاتفاق النووي، وسعيها نحو إعادة التوازن فى سياستها الخارجية بين الشرق والغرب. وتخشى موسكو فى هذا الصدد مما قد تنتجه المفاوضات الإيرانية الغربية من نص على تقييد علاقات إيران مع روسيا.
وفى الختام، من المتوقع أن يرتبط المضى فى تنفيذ الممر من عدمه بمستوى الترتيبات والتوافقات الروسية الإيرانية، وكذا الإيرانية التركية، وأيضًا الإيرانية الأذربيجانية.
من ناحية أخرى، قد يكون لآلية التعاون والتشاور الثلاثى التى تجمع ما بين روسيا وإيران وتركيا دور فى تحديد مستقبل إنشاء هذا الممر، خاصة فى ضوء ما كشف عنه الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان» فى سبتمبر 2023 بشأن إمكانية تنفيذ ممر من إقليم ناخيتشيفان إلى أذربيجان عبر الأراضى الإيرانية.
وهنا، تجدر الإشارة إلى ما أعلنت عنه إيران وأذربيجان، فى أكتوبر 2023، بشأن اتفاقهما على بناء ممر برى يربط بين أذربيجان وإقليم ناخيتشيفان عبر الأراضى الإيرانية، يحمل اسم ممر «آراس». وبموجب الاتفاق، سيتم إنشاء جسر برى بين البلدين، يليه إنشاء طرق سريعة وسكك حديدية جديدة. وبذلك، قد يصبح «آراس» بديلًا مرحبًا به لدى إيران عن ممر زانجيزور.
ومع ذلك، ترجح عدد من التقديرات عدم استعداد باكو التخلى عن تنفيذ ممر زانجيزور نظرًا لما يعنيه من أهمية فى مواجهة أرمينيا، الأمر الذى قد يُبقى الخلاف قائمًا ومتجددًا بين إيران وأذربيجان من جانب، وربما بين إيران وروسيا وتركيا من جانب آخر، وذلك طالما لم تتجه الأطراف نحو توقيع اتفاق بشأن الممر لا يُخل بمصالح إيران ولا ينتقص من سيادة أرمينيا.

نوران عوضين
المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية
النص الأصلي
https://rb.gy/e1lo1t

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved