المشروع القومي..؟!
حسن المستكاوي
آخر تحديث:
السبت 10 أكتوبر 2009 - 9:10 ص
بتوقيت القاهرة
كانت مجرد خواطر وذكريات واجترار لأيام الثورة والألم والمجد والانتصار. لم تكن تلك الخواطر والذكريات موقفا من الثورة، ومن عبدالناصر ورؤساء مصر. فمصر ليست الرؤساء والوزراء والقيادات والأشخاص. مصر التى نحبها ونراها أم الدنيا، هى الناس والشعب الطيب الأصيل الذى يمر الآن بمرحلة حرجة. م
صر هى التراب والرمال والهواء والنيل.. وكثير من القراء وصل إليهم ما أقصده وما أعنيه. لكن بعض القراء تصوروا أنه موقف سياسى من الثورة، أو من ما بعدالثورة.. ووسط التعليقات والمناقشات العالية المستوى بين المؤيدين والمختلفين فى السياسة وحول الثورة وحول جيلنا وجيل أكتوبر وسط هذا لفت نظرى اتهام الشباب لجيل الثورة بأنه لم يترك له شيئا، وأن الجيل الذى يقود ويحكم ويسيطر اليوم فى مختلف المواقع، بحكم السن، ترك الهم والغم والمرض والفساد والتلوث والقمامة وغياب الأخلاق للأجيال التالية والحالية.. ولفت نظرى أيضا حديث الشباب عن المشروع القومى والسؤال: أين هذا المشروع؟!
كانت مجرد خواطر وذكريات وليس موقفا سياسيا من الثورة وعبدالناصر، معه أو ضده، لأن عندى الأهم وهو أن أكون مع الوطن قبل الشخص، وأفصل دائما بين الأشخاص وبين مصر.
لكن من أسف أن الكثير من المصريين لا يفصلون.. على أى حال كانت تلك الخواطر تعبيرا عن الشعور بالحنين لأيام ثورة يوليو الأولى وزمن المعارك والأغانى الوطنية، وهو فى جزء كبير منه حنين للمرحلة السنية، لأيام الطفولة والشباب والمدرسة وذكريات الحى والمنطقة والهواء الصحو والشمس الساطعة الناصعة، والهواء الجاف صيفا والممطر شتاء، والأفلام الأبيض والأسود التى تجد فيها حكاية، ليس كما هو حال أفلامنا الدموية أو الكوميدية البلهاء الحالية..
كانت خواطر تعبر عن الشوق لأيام هدوء البال والبراءة، ولرائحة المانجو ولترعة الخشاب فى شوارع وطرقات ضاحية المعادى (إنها الترعة التى كانت تخترق الضاحية وغنى فوق جسرها الخشبى عبدالحليم حافظ للفنانة ماجدة).. هو شوق وحنين لمرحلة مضت، بكل ما فيها من حيوية وشباب.. لكن كما فى تلك الحالات اعتبرها البعض موقفا سياسيا سواء مؤيدا أو معارضا.. هل من المعقول أننا كشعب ما زلنا فى جدل سياسى يصل فيه حد الخلاف إلى العراك حول مراحل وزعماء ورؤساء؟!
أعود إلى المشروع القومى.. فلماذا يرى جيلنا أن السد العالى كان مشروعا قوميا.. بينما لا ترى الأجيال التالية أى مشروعات قومية؟!
هذا موضوع يفوق قدره تلك المساحة، وقد يستحق أن يناقش بصورة أعمق، لكن ربما، أقول ربما، أيام السد العالى كانت مصر فى معارك متعددة وتغنى كلها ضد الاستعمار، ومؤمنة بمن يقودها إلى أبعد الحدود.. كانت مصر فى ثورة وفى حالة فوران. تغلى بالأحلام بقدر ما تغلى بالمعارك.. وكان بناء السد من ضمن تلك المعارك.. والواقع أن المشروعات القومية لا تقاس بحجم ما ينفق عليها من أموال فقط، ولا بحجم ما يستهلك فيها من أسمنت ورمل وحجارة فقط. فيقال إن مترو الأنفاق مشروع قومى، وإن توشكى مشروع قومى، أو أن طريق مصر ــ الإسكندرية الصحراوى مشروع قومى.. أو أن تطوير شبكة الصرف الصحى أو المياه بمليارات مشروع قومى، لا أظن أن المشروعات الخدمية التى يدفع الشعب ثمنها من الضرائب وتطبقها الدولة لأنها يجب أن تطبقها، لا أظن أنها مشروعات قومية.. لا أظن أن المشروعات القومية تحسب بتلك المقاييس.
المشروع القومى حالة قومية، وقضية قومية تعيشها كل البلد. الأثرياء والفقراء. النخبة والعامة. الدولة والشعب. ولا أظن أن مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق تحدث عن ناطحات السحاب التى تكلفت مليارات الدولارات كمشروع قومى، لكنه رأى أن مشروعه القومى هو التعليم. وقد كان.
والبرازيل التى كانت دولة فقيرة قبل 30 عاما على الرغم من ثرواتها الطبيعية الهائلة (مثلا تطير الطائرة النفاثة فوق غابات الأمازون لمدة 6 ساعات) وكان بناء الاقتصاد القوى من مشروعاتها القومية المهمة ووصل الأمر إلى درجة أن البرازيل ستقرض صندوق النقد الدولى 20 مليار دولار، وهى أول دولة من دول الجنوب تقرض المجتمع الدولى..
فكيف نجحت البرازيل فى مشروعها القومى؟!
وإذا كان شباب مصرى يطرح السؤال: ما هو مشروعنا القومى الحقيقى.. فإننى أيضا أطرح نفس السؤال.. وهل يقاس المشروع بما ينفق عليه من أموال أو بما يستهلكه من أسمنت.. أو بما يحققه من فوائد تصل إلى كل المجتمع وإلى أطراف هذا المجمتع؟!
هل المشروع القومى يكون مشروعا قوميا بخلق حالة عامة وحميمية وصادقة من الجميع تجاهه أم أنه كل مشروع خدمى يفيد الناس والمجتمع.. ويبقى أن هذا كله مجرد اجتهاد، وقد أصيب وقد أخطئ.. فلست فى موقع يسمح بإصدار الأحكام القاطعة.. لكنها دعوة للتفكير لعلنا نصل إلى مشروعنا القومى الحالى ومشروع الأجيال القادمة.. لعلنا !!