أصبـح الآن عندى قطة


رضوى أسامة

آخر تحديث: الأحد 10 أكتوبر 2010 - 10:27 ص بتوقيت القاهرة

 لسبب خاص جدا قررت اقتناء قطة صغيرة منذ شهور، كنت أعانى من ألم نفسى حاد، وكنت أحاول استخدام كل الاستراتيجيات التى تعلمتها من الكتب ومن مرضاى لمواجهة هذا الألم.

وفى أثناء مناقشة مطولة مع أمى شرحت لى فلسفتها عن الألم، وتحدثت عن أن أحزاننا دوما تبدأ كبيرة وتنتهى صغيرة جدا، لا أعلم لما فكرت وقتها فى اقتناء قطة صغيرة جدا، عمرها من عمر هذا الألم الحاد، وكلما كبرت القطة صغر الألم وتضاءل.

شعرت بأنى اختبر نجاحا حقيقيا فى مواجهة الألم، ليس بالطبع بسبب اقتنائى لقطة، بل لأسباب أخرى كثيرة، لكن بدت فكرة اقتناء حيوان أليف فكرة مناسبة تماما.

عندما ناقشت الفكرة مع أحد المدمنين المتعافين منذ وقت، أخبرنى أن برنامج التعافى الذى يعتمد عليه يقوم فى جزء منه على فكرة اقتناء كائن حى يقوم المدمن الذى لم يكن مسئولا عن شىء سوى شراء المخدر وتدبير نفقاته والاعتناء به، ويرى هذا الشىء يكبر أمامه، أخبرنى أنه فى بداية تعافيه اشترى نبتة صغيرة كبرت بالتزامن مع تعافيه، تنبت الزرعة بينما تنبت فى داخله الرغبة فى التعافى، تزهر النبتة وتزهر حياته بعد معاناة المخدرات.

جزء من تكنيكات مواجهة الألم والتخلص منه أن أواجهه، أن أجسده وأتعامل معه بجرأة، أن أراه يتضاءل بشكل ملموس أمام عينى وألمس تغيير الأفكار المصاحبة.

فكرة إقتناء حيوان أليف ليست ممتعة فقط فى تجسيد الألم ومواجهته، بل فى تعليمنا مهارات لم نعتد عليها. أكاد أجزم أن قطتى الصغيرة علمتنى كيفية الاعتناء بها، كيف يمكننى التخلى عن بعض من عاداتى من أجل تلك الصغيرة، أنت عادة ما تفعل ذلك من أجل طفلك، دعنى أقول إننا مجبرون على فعل ذلك من أجل أطفالنا، لكننا لسنا مجبرين نهائيا على ذلك فى الحياة.

«لى لى» وهو اسم قطتى علمتنى كيف أتنازل عن قضاء وقت إضافى ممتع مع أحد من أجل أن أذهب إلى المنزل لأحضر لها وجبة دافئة.. علمتنى كيف أستقبل الصباح بمسئولية إطعامها، أنا التى لا أستقبل الصباح إلا بعد احتساء فنجان القهوة.

فكرت فى أثر ذلك كله على الأطفال، فى الشهر الماضى أوصيت إحدى الأمهات التى تأتى إلى العيادة أن تشترى لطفلها حيوانا أليفا يحبه ويعتنى به. كان الطفل يعانى من عدم تحمل المسئولية ولا مبالاة رهيبة، اتفقت مع الأم ألا تعتنى نهائيا بالكلب الصغير الذى اشترته له وأن تقع مسئولية الاعتناء به على الصغير، واتفقت مع الطفل الذى بهرته فكرة اقتناء الكلب أن يعتنى به وأنه الوحيد المسئول عن إطعامه والتفكير فى الوجبات اليومية التى سيحبها، كما أنه المسئول عن النزهة اليومية له. واتفقنا على أن التخلى عن مسئولياته تجاه الكلب سيعنى التخلى عن الكلب نهائيا.

كان الاتفاق واضحا مع الطفل، أخبرتنى الأم عن تخوفها من التزام الطفل لأسبوع فقط والتخلى عن مسئوليته فيما بعد، أخبرتها أن الطفل لن يفعل ذلك، وإن فعل فعليه أن يتخلى عن الكلب نهائيا واتفقنا أمامه عن المكان البديل الذى سنضع الكلب فيه إن حدث ذلك.

الطفل أحب الكلب جدا ووجد مقابلا من الكلب الذى أحب الطفل أيضا، مما دفع الطفل إلى بذل المزيد من الجهد والالتزام بمسئولياته جميعها تجاه الكلب. الطفل ملتزم منذ أكثر من شهر حتى الآن بجميع البنود التى اتفقنا عليها ولم يتخل عن أى منها.

بدأت بالفعل أفكر فى الأسباب التى لا تدفعنا إلى اقتناء حيوانات أليفة فى منازلنا، الأمر ممتع جدا ومفيد على المستوى النفسى ومسلّ للأطفال الصغار، وفرصة حقيقية لتعليمهم عدد من مهارات الحياة.

أخبرتنى صديقتى والتى لديها طفل صغير لم يتعد السنتين أن القط الذى اشترته له تجاوب معه لدرجة كبيرة وأنه يهتم به ويلاعبه. وصديقة أخرى كنت أبيت معها أنا والقطة الصغيرة، لديها طفل صغير جدا لم يتعد السنتين أيضا وتعانى معه أشد المعاناة وهى تطعمه، فهو دوما يرفض الطعام ويقضيان ساعات طويلة فى ذلك، لكن الطفل انبهر جدا من فكرة أن يدخل سباق فى الأكل مع القطة، وإن هذا الكائن الصغير يمكنه أن يأكل أكثر منه ومن نفس الأكل، فاندفع يثبت للقطة الصغيرة أنه يستطيع أن يأكل بشكل يفوقها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved