قراءة فى خطاب نتنياهو أمام الجمعية العامة
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الأربعاء 10 أكتوبر 2018 - 11:35 م
بتوقيت القاهرة
بخلاف ياسر عرفات، فى خطابه الشهير فى الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نوفمبر 1974 تقلّد مسدسا، لكنه أيضا اقترح على إسرائيل غصن زيتون، ألقى نتنياهو خطابه فى الجمعية العامة، وهو يحمل التهديد النووى الإيرانى بيد، وباليد الأُخرى تهديد صواريخ حزب الله الدقيقة. باستثناء ذلك، ليس لديه ما يقترحه.
من الصعب أن نفكر بزعيم آخر فى تاريخ إسرائيل اعتقد أنه يستطيع بتخرصاته أن يُبعد عن إسرائيل المخاطر الحقيقية التى تتعرض لها. ليس بين الذين سبقوا نتنياهو شخص عرف أن يخطب مثله، لكنهم فهموا كلهم أن الكلام وحده لا يدفع قدما بالدولة وبأمن مواطنيها. وينطبق هذا بصورة خاصة على زعماء اليمين: مناحيم بيجن تنازل عن سيناء من أجل السلام مع مصر، ويتسحاق شامير بدأ بالمفاوضات مع الفلسطينيين فى مؤتمر مدريد، وأريئيل شارون خرج من قطاع غزة وتخلى عن المستوطنات اليهودية التى بنتها حكومات المعراخ هناك.
فى الفترة الأخيرة عرضت إسرائيل سرا أمام هيئات متعددة فى العالم معلومات استخباراتية حساسة بشأن إيران ومصانع الصواريخ التابعة لحزب الله، لدفعها إلى التحرك. وكما هو معروف لم تفعل هذه الدول شيئا. ونتنياهو الذى يؤمن بالتسويق كحلٍّ لكل شيء، عرض هذه المعلومات السرية فى الأمم المتحدة. وماذا بعد؟ هل يتوقع حدوث تظاهرات كبيرة فى نيويورك، وباريس ولندن تأييدا لمطالبه؟ من الواضح أن هذا لن يحدث، وطبعا، بحسب رأيه، لا تزال شعوب العالم تعيش فى سنة 1938، وترى فى مسايرة إيران سبيلا إلى حل المشكلة.
يجب على نتنياهو أن يعلم أننا لم نعد فى سنة 1938، وأن إيران ليست ألمانيا النازية، والحروب الكبرى بين دول متقدمة هى ظاهرة آخذة فى الاندثار، وأن إسرائيل أقوى دولة فى المنطقة وبعيدة عن أن تكون يهود أوروبا العزّل عشية المحرقة النازية.
يتعين على نتنياهو أن يعلم أيضا، أنه بخلاف التهديدات الأمنية التى واجهتها إسرائيل طوال سنوات وجودها، لا تملك اليوم جوابا عسكريا جيدا على تهديد مئات أو آلاف الصواريخ الثقيلة، وجزء منها دقيق يملكه حزب الله وموجّه ضدها. لم نواجه قط تهديدا من هذا النوع فى الماضى. ومن المنطقى أن تصيب فى الحرب المقبلة مئات من هذه الصواريخ ليس فقط منشآت استراتيجية فى إسرائيل، بل أيضا العديد من المبانى العالية فى تل أبيب.
كابن مؤرخ، وبصفته عانى شخصيا جرّاء أهوال حرب يوم الغفران أكتوبر 1973 من المفروض أن يعلم نتنياهو شيئا آخر: بخلاف افتراءات مؤرخين فاشلين، الذين يدّعون أن جولدا مائير وموشيه دايان لم يُعدّا الجيش الإسرائيلى للحرب فى سنة 1973، ولم يُعدّا ردودا عسكرية فإن أبحاثا جدّية أظهرت أن إسرائيل استعدّت جيدا لهذه الحرب. الفجوة فى القدرات العسكرية بينها وبين مصر وسوريا اتسعت منذ حرب 1967، وتمّ إعداد ردود عسكرية واضحة للتصدى لهجوم على قناة السويس وعلى هضبة الجولان، والقدرة العربية على المسّ بالجبهة الداخلية التى أقلقت وزير الدفاع بصورة خاصة، كانت تقريبا صفرا. بكلام آخر، فى سنة 1973 كانت إسرائيل تملك ردا عسكريا جيدا على التهديدات العربية فى الحرب. هذا الرد لم يجرِ التعبير عنه بسبب التقصير الاستخباراتى، لا بسبب أن الجيش لم يكن مستعدا للحرب.
أيضا يعلم نتنياهو بالتأكيد، أنه بسبب تقدير جولدا مائير أن إسرائيل تملك ردا عسكريا جيدا على التهديدات العربية، لم توظف جهودا كبيرة من أجل الدفع قدما بتسوية سياسية لتحييد هذه التهديدات. لكن ما كان منطقيا فى سنة 1973، ليس منطقيا اليوم. يعتبر المستويان السياسى والعسكرى صواريخ حزب الله تهديدا كبيرا، فى أحسن الأحوال نملك ردا جزئيا عليها. فى الحرب المقبلة يمكن أن تدفع إسرائيل الثمن الأكبر منذ سنة 1948. صحيح، أيضا حزب الله سيدفع ثمنا باهظا، وربما أيضا أذرعته ومؤيديه فى المنطقة، لكن لن يكون فى هذا حتى بعض العزاء.
نتنياهو خبير فى الإرهاب، لكنه يفهم أيضا فى التفكير الاستراتيجى الذى تطور خلال فترة الحرب الباردة. فى مركزه يوجد «توازن الرعب»، الذى استندت إليه القدرة النووية. صحيح أنه فى هذه المرحلة ليس لدى حزب الله وإيران أيضا مثل هذه القدرة. لكن بعد التطورات التكنولوجية فى العقود الأخيرة، أصبح إنتاج الصواريخ أرخص وأسهل من الماضى، ويمكن تطوير درجة دقتها بطريقة بسيطة نسبيا. والنتيجة «ميزان ردع تقليدى»: مطار رفيق الحريرى فى مقابل مطار بن جوريون.
يدل التاريخ على أن السبيل إلى مواجهة «ميزان رعب» يمر عبر الحوار وبناء الثقة وإيجاد حلول عملية للتهديدات العسكرية. مع كل الاحترام لبلاغة نتنياهو الخطابية فى الأمم المتحدة، من الواضح أنه ليس من مصلحة إسرائيل فقط بل من مصلحة إيران وحزب الله أيضا، منع مواجهة عسكرية ستكبدهم ثمنا باهظا جدا.
هذه المسألة هى أساس جيد لبدء عملية حوار. بدلا من توجيه الاتهامات إلى قادة إيران، ومن تهديد حسن نصر الله بـ«ضربة ساحقة لا يستطيع تخيلها»، ومن الأجدى أن يفكر رئيس الحكومة قليلا فى دروس التاريخ. إنها تدل على أن الطريق التى يسلكها يمكن أن تقودنا إلى كارثة، ولذا يجب البحث عن طرق بديلة.
أورى بار
هاآرتس