عام من الحرب والمقاومة والإبادة.. قراءة فى أهم الكتب التى تناولت الحرب على غزة

يحيى عبدالمبدي محمد
يحيى عبدالمبدي محمد

آخر تحديث: الخميس 10 أكتوبر 2024 - 8:05 م بتوقيت القاهرة


على المقهى القريب من بيتى حيث ألتقى أسبوعيا جارى وصديقى الأكاديمى الفلسطينى، ومع مرور عام على الحرب فى غزة، اقترحت عليه أن نخصص جلسة نادى الكتاب بالجامعة هذا الشهر لمناقشة الذكرى الأولى للحرب. فنصحنى متسرعا بإعادة التفكير فى الأمر متوقعا أن تمتلئ الفضاءات الثقافية، والإعلامية، والأكاديمية بهذا الحدث، وهذا العنوان تحديدا. وأضاف أنه تلقّى حتى لحظة حديثنا ثلاث دعوات للتحدُّث حول مرور عام على الحرب فى أماكن مختلفة. ولكنّه مع نظرة الإحباط التى بدَت على وجهى، عدَل عن رأيه قائلا: إن كنت مصِرّا، فليكن التناول من زاوية غير معتادة، وهى رَصْد وتَتبُّع ما نُشر خلال العام الماضى عن الحرب، وما صاحَبَها من سرديات، وأحداث، وتطورات إقليمية، ودولية.
أعجبتنى الفكرة، وبمجرد عودتى للبيت، سألتُ السيدة أو السيد جوجل، وكذلك منصات الذكاء الاصطناعى عن أهم الكتب والمؤلفات التى ظهرت منذ السابع من أكتوبر، وحتى لحظة البحث.
كما توقعت، فقد وجدت كما هائلا وطوفانا من المقالات، والتحليلات، والبحوث، والكتب، وغيرها من المنشورات بمختلف اللّغات والخلفيات، ذلك فضلاً عن عشرات المؤتمرات، والندوات التى عُقدت منذ السابع من أكتوبر، وحتى كتابة هذا المقال.
كنت على دراية ببعض العناوين التى صدرت مؤخرا، وبالفعل قرأتُ أحد الكتب التى شارك فى كتابتها صديقى الذى أشرت إليه سابقا، ولكن الكمّ الهائل استغرقنى، وبدأت رحلة البحث، والمتابعة للمنشورات العربية، وغير العربية. ونظرا لكثرة المعلومات، أُفضّل أن أبدأ بعرض المنشورات غير العربية ومراجعتها، ثم أشرع فى مراجعة المنشورات العربية لاحقا.
• • •
أولى ملاحظاتى وأهمها عن الكتب التى صدرت باللغة الإنجليزية فى الغرب أنها لم تصدر عن دور نشر عالمية كبرى ومعروفة، بل أحيانا كانت كتبا منشورة من قبل مؤلفيها دون ناشر. والسبب أن دور النشر الرصينة، وفى مقدمتها دور النشر الجامعية، تأخذ عملية النشر والمراجعة والإنتاج فيها ما يقرب من أربع سنوات. وبالتالى من الصعب أن نجد أى منشورات لديها لحدث لم يمر عليه سوى عام واحد. وقد لاحظت أن تلك المنشورات دعائية مؤدلجة تهدف إلى إقناع جمهور القراء بروايتها، وحقيقة لا تستحق الذكر أو العرض لتفاهة مضمونها، وتهافت منطقها.
ومع ذلك لا ينطبق الانطباع السابق على المنشورات، والكتب المنشورة باللغة الإنجليزية كافة، فهناك محاولات أكثر جدية، وأقل دعائية لفهم الصراع والحرب، والاحتلال، والاستيطان، والمقاومة. ومن بين تلك المنشورات كتاب المراسل الصحفى الإسرائيلى (أمير تبون) الذى صدر فى الولايات المتحدة عن دار نشر (هاكت) بعنوان (بوابات غزة). فرغم أن الكتاب مخصص لسرد روايات الذين تعرضوا لهجمات السابع من أكتوبر من سكان الكيبوتسات فى غلاف غزة، إلا أنّه ناقش الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، والاحتلال وعملية السلام الفاشلة، وتاريخ غزة.
من الملاحظات الجديرة بالذكر أيضا أن دور النشر التى تقدم رؤية متوازنة غير منحازة، عادة تكون مستقلة أو تقدمية لها رسالة وموقف. وبالتأكيد إن دار نشر (فيرسو) من أوائل هؤلاء. تُعرِّف الدّار نفسها بأنها أكثر دور النشر الغربية استقلالاً وراديكالية، فقد نشرت كتاب (قتل غزة: تقارير عن كارثة) للصحفى الإسرائيلى المعارض لسياسات الفصل العنصرى ضد الشعب الفلسطينى (جدعون ليفى). والكتاب عبارة عن تقارير من خط المواجهة للأزمة حيث يجمع ليفى وجهات نظره من واقع الأحداث التى أدت إلى هجوم السابع من أكتوبر، والدمار الذى أعقب ذلك فى غزة، لاسيما أن الكتاب لا يقف عند التحليل الوصفى والنقدى للأحداث، بل يستحضر أيضا السياق التاريخى والسياسى الأساسى إلى اللحظة.
• • •
مع مرور عام على عملية طوفان الأقصى، قامت الدار نفسها بنشر كتاب (فهم حماس ولماذا هو مهم؟) الذى حرّره (هلنا كوبان ورامى خورى) بمشاركة مجموعة من المتخصصين فى تاريخ الحركة قائلين «إن فهم حماس يوفر نظرة ثاقبة تشتد الحاجة إليها خاصة فى هذه الأيام». ويُعِدّ الكتابُ الحركةَ شريكا سياسيا مُهما، وينتقد تشويه سمعتها فى الخطاب الغربى السائد، وصولا إلى شيطنتها بعد أحداث السابع من أكتوبر. ومن جانب آخر لا يؤيد الكِتاب حماس أو يُعارضها وفقا لناشره، بل يهدف إلى تعميق فهم الحركة التى تُعدُّ لاعبا رئيسيا فى الأزمة الحالية، وينظُر فى التحول الحاسم لها من النشاط الاجتماعى والدينى إلى المشاركة السياسية الوطنية. كما يشير إلى التوازن الدقيق بين الجناحين السياسى والعسكرى لحماس، وتحولها من ميول مبكرة معادية لليهود إلى موقف يفرّق بين اليهودية والصهيونية.
أمّا مراسل شبكة فوكس نيوز الحربى (تيرى ينغست)، فقد نشر كتابا صادرا عن الشبكة نفسها بعنوان (السبت الأسود: رواية غير منقحة لهجوم 7 أكتوبر على إسرائيل والحرب فى غزة). وهو عبارة عن تقارير ومقابلات صحفية انحازت فى أغلبها إلى السردية الإسرائيلية كالمتوقّع من عنوان الكتاب، وكاتبه، وناشره.
من جهة أخرى، فقد نشرت دار نشر (أور) فى نيويورك كتابا باللغة الإنجليزية، يُعدُّ واحدا من أكثر المنشورات الأجنبية حيادية وتوازنا فى تناوله للأحداث. وهو من أوائل الكتب التى صدرت فى أعقاب هجمات السابع من أكتوبر بعنوان (الطوفان: غزة وإسرائيل من الأزمة إلى الكارثة)، تحرير: (جيمى شتيرن ــ وينر)، وقدّم له المؤرخ اليهودى العراقى المعروف (أفى شلايم)، إضافة إلى مساهماتٍ من كتاب مُناصرين للقضية الفلسطينية، سواء كانوا عربا أمّ غربيين، يهودا أمّ مسلمين.
ومن بين الكتب المُهمّة التى صدرت مؤخرا عند دار نشر (ون ورالد) المستقلة كتاب (الضغط من أجل الصهيونية على جانبى الأطلنطى) للمؤرخ المشهور (إيلان بابيه) صاحب كتاب (التطهير العرقى لفلسطين). يقول الناشر: «إن فى عام 1896 كانت الدولة اليهودية حُلما بعيد المنال، أمّا اليوم فالغالبية العظمى من اليهود يعرفون أنفسهم على أنهم صهاينة، كيف حدث هذا؟». ويكشف مؤلف الكتاب كيف غيّرت مُدّة أكثر من قرنٍ من الضغط العدوانى خريطة الشرق الأوسط. فقد أقنعت جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل صناع السياسة البريطانيين والأمريكيين بالتغاضى عن انتهاكات إسرائيل الصارخة للقانون الدولى، ومنح إسرائيل مساعدات عسكرية غير مسبوقة، مقابل حرمان الشعب الفلسطينى من حقوقه. وأصبح كل من شكّك فى الدعم غير المشروط لإسرائيل ــ حتى بأبسط العبارات ــ هدفا لحملات تشهيرٍ لا هوادة فيه.
• • •
أمّا بالنسبة إلى إصدارات المكتبة الغربيّة بلغات غير الإنجليزية، يعدُّ كتاب (غزة: تاريخ نكبة معلنة) الذى صدر فى الصيف الماضى عن دار نشر (كاتاراتا) الإسبانية، مناصرا ومتبنّيا للسرديّة الفلسطينية، ومنتقِدا لسياسة التطهير العرقى، والإبادة المستمرة من قِبل دولة الاحتلال.
ومن بين الكتب الفرنسية التى صدرت وتناولت الأحداث (عزلة إسرائيل) للمفكر الفرنسى (لبرنار هنرى ليفى) الذى تثير أفكاره جدلاً دائما، حيث يسعى الكاتب الموالى لإسرائيل من خلال كتابه إلى تبرير الإبادة.
وفى دولة الاحتلال ووفقا للمركز الفلسطينى للدراسات الإسرائيلية (مدار)، فقد نُشر أكثر من ثمانين مؤلفا منذ السابع من أكتوبر تناولت الجوانب المختلفة من الأحداث سياسيا وعسكريا واجتماعيا. ويرى البعض أن الصدمة كانت الدافع الأساسى وراء كتابة هذا الكمّ الكبير من المؤلفات. ومن أهم المنشورات العبرية نقلا عن (مدار) كتاب (ذات يوم فى أكتوبر)، وهو عبارة عن ٤٠ قصة يتقاطع فيها الخيال مع الواقع حول الأحداث. أمّا كتاب (اليوم الثامن: إسرائيل بعد ٧ أكتوبر)، فيحتوى على نظرة نقدية للواقع الإسرائيلى وهشاشة وجوده. والكتاب الثالث هو (حرب أبطال) الذى تروى مؤلفته قصص الحرب للأطفال. أمّا كتاب (احتلت فرقة غزة)، فيتَضمّن نقدا لاذعا للجهات السياسية والاستخباراتية. وأخيراً كتاب (لسنا فى حالة إجماع) الذى يتناول دور وحدات التأهب فى الكيبوتس فى مقاومة هجوم طوفان الأقصى.
• • •
من التقاليد الشائعة فى ثقافة النشر الغربية فى أوقات الصراعات والحروب أن تُقدّم الدّوريات، والصحف، والمنصات زاوية بعنوان: عشرة كتب أساسية يُمكن من خلالها فهم صراع ما. وقد اتّبعت دورية (فورن أفيرز) هذا التقليد عندما نشرت بعد شهر من الهجوم والأحداث قائمة بأهم عشرة كتب يمثل مؤلفوها وفقاً للدورية طيفاً واسعاً من وجهات النظر، بدءا من مؤرخ فلسطينى أمريكى مشهور، وانتهاء بالسفير الإسرائيلى السابق فى الولايات المتحدة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved