الزمالك.. مائة عام من العشق والانتماء
حسن المستكاوي
آخر تحديث:
الخميس 10 نوفمبر 2011 - 8:45 ص
بتوقيت القاهرة
●● المائة عام تأتى مرة واحدة فى عمر البشر، لكنها تتكرر مرات ومرات فى عمر الدول والكيانات والأندية. واليوم أحد أيام احتفال مصر بمئوية الزمالك أحد أكبر الأندية المصرية والعربية.. وهو يمثل مع منافسه التقليدى الأهلى الجناحين اللذين تحلق بهما الرياضة.. وعلى مدى تاريخه خرَّج الزمالك عشرات الأجيال والنجوم فى مختلف اللعبات..
●● فى مطلع القرن العشرين كانت مصر تعانى من الاحتلال البريطانى، وكانت تحت حكم الخديو عباس حلمى الثانى الابن البكر للخديو توفيق، وكان عدد سكان مصر 11 مليونا، وعدد سكان القاهرة اقل من 700 الف، وكان مصطفى كامل يقود الحركة الوطنية المصرية، ورغم أن القاهرة كانت عاصمة النور فى الشرق، فلم تكن مصر تعرف السينما فى مطلع هذا القرن، ولا تعرف الإذاعة، ولا تعرف الطائرة، ولا تعرف التلغراف، ولكنها عرفت الأندية الرياضية، ففى عام 1903 تأسس نادى هوكى بولاق (السكة الحديد)، ونادى النجمة الحمراء الذى أصبح نادى الموظفين ثم الاولمبى السكندرى وتأسس عام 1905، وعدة اندية أخرى انتشرت فى العاصمة وفى مدن القناة، وكانت كل هذه الأندية للجاليات الأجنبية ولموظفى بعض الهيئات، وكبار رجال الدولة.
●● فى عام 1911 تأسس نادى الزمالك، تحت اسم (نادى قصر النيل ) وتغير اسمه ثلاث مرات، ففى البداية حين أسسه المستشار القضائى البلجيكى مرزباخ، الذى كان رئيسا لإحدى المحاكم المختلطة كان الاسم هو نادى قصر النيل، بسبب موقعه، فقد اختارت مجموعة المؤسسين وهم من البلجيك والألمان ضفة نهر النيل فى مواجهة نادى الجزيرة، وكان بجوار مقر النادى واحد من أكبر معسكرات الاحتلال البريطانى فى الشرق الاوسط وافريقيا واسمه (ثكنات قصر النيل) ومكانه الآن فندق جامعة الدول العربية. وقد اختار مرزباخ الاسم الاول نادى قصر النيل، بسبب وجوده بجوار ثكنات الانجليز، ولأن المساحة كانت محدودة وضيقة ومرزباخ يسعى لتطوير النادى، فقد قرر نقل النادى إلى مكان آخر، وحصل باتصالاته وعلاقاته على مساحة كبيرة من الأراضى تشغلها الآن مبانى دار القضاء العالى المطل على شارع رمسيس و26 يوليو، ومعها مبنيا نقابتا المحامين والصحفيين. وانتقل النادى إلى المكان الجديد وتغير اسمه إلى نادى (المختلط) نسبة إلى اسم المحاكم المختلطة وكانت هذه المحاكم نوعا من القضاء الخاص أنشأه الانجليز فى مصر للنظر والفصل فى المنازعات القضائية المدنية والجنائية بين الاجانب المقيمين فى مصر، وبعضهم البعض من ناحية، وبين هؤلاء الاجانب والمصريين من ناحية اخرى. واصبح الاسم (المختلط) فى عام 1913 ..
●● فى عام 1914 قاد رائد الصحافة الرياضية فى مصر إبراهيم علام المعروف باسم جهينة عملية تمصير الزمالك، بحسب ماجاء فى مذكراته التى نشرها فى مجلة آخر ساعة بالخمسينيات، وقد انتقل مع مجموعة من لاعبى كرة القدم بالسكة الحديد إلى المختلط . ونجح علام ورفاقه فى إدارة النادى بالمصريين.. وقد تحول المختلط إلى فاروق عام 1944، ولم يكن السبب فى تغير هذا الاسم (مكان جديد) انما مباراة تألق فيها الزمالك وهزم الأهلى 6/صفر وجرت بملعب اتحاد القوات المسلحة بالقبة وكان يحضرها الملك فاروق، ومن فرط اعجاب الملك بأداء الزمالك فقد قرر ان يسميه نادى فاروق..
●● الزمالك اختار اللون الأبيض، لأنه لون السلام، وكانت الفانلات لها ياقة حمراء فى البداية، واستبدلت بخطين أحمرين على الصدر، باعتبار اللون الأحمر يرمز إلى الكفاح فى سبيل النصر، أما شعار النادى فهو عبارة عن رامى السهم فى زى فرعونى، والسبب فى اختيار هذا الشعار هو أن رامى السهم كالنادى تماما كلاهما له هدف، والزى الفرعونى مستمد من المنطقة، أو من محافظة الجيزة، التى تحتضن أعظم أثر فى العالم، وهو أهرامات الجيزة العجيبة الوحيدة الباقية من عجائب الدنيا السبع القديمة.
●● يقول اساتذة الدراما: « إن مفتاح الدراما القوية التى تشد أنظار المتفرجين وتحبس أنفاسهم، هى التى يتخاصم فيها طرفان على مستوى واحد من القوة ووجود أى طرف ثالث يشتت انتباه المتفرج ويصب ماء باردا على الصراع الساخن ».
تأسس فريق لكرة القدم فى النادى الأهلى عام 1909، وتأسس أول فريق لكرة القدم فى نادى الزمالك عام 1913، وإن اشتد الصراع بينهما إبان الحرب العالمية الأولى، ولكن أول لقاء بين الفريقين كان وديا، وذلك يوم 9 فبراير عام 1917 وفاز الأهلى 1/ صفر. وفى 2 مارس من نفس العام لعب الفريقان مباراة على أرض الأهلى بالجزيرة وفاز الزمالك 1/ صفر، وأقيمت المباراتان بناء على اتفاق وقعه من جانب الزمالك إبراهيم علام، ومن جانب الأهلى حسين حجازى، وكان الاتفاق مثل تعاقد يتضمن 28 بندا لترتيب الحفلتين حيث كانت تسمى المباراة بحفلة.. وكان الهدف من اللقاءين تحديد أيهما اقوى من الآخر، بعد أن لعب الزمالك مع الجيش الإنجليزى وهزمه بفريق سمى « منتخب مصر » فرد حجازى بتشكيل فريق باسم « خلاصة مصر.. »
●● وعلى مدى سنوات بعيدة مضت، وأيام قريبة مضت ظل جمهور الزمالك وفيا لفريقه ولناديه، لم يبتعد يوما عن تأييده، ولم يتوقف يوما عن تشجيعه، والواقع أن الأندية عموما تعد ظاهرة رياضية وسياسية واجتماعية، والناس تلتف من أجل تشجيع الكرة باعتبار أنه كالتعبير عن الانتماء ومظهر له، كما قال د. يحيى الرخاوى منذ 35 عاما عن ظاهرة تشجيع كرة القدم، فالانسان لابد ان ينتمى إلى أشياء معينة احيانا بإرادته واحيانا اخرى بالرغم عنه، فهو ينتمى إلى اسرة ثم مدرسة ثم عمل ثم اسرة جديدة، وهو منتم إلى وطن والى نقابة والى ناد. وجمهور الكرة يشعر بدافع الانتماء ويجد مجالا فى تشجيع ناد معين والتحمس له، وعندما يختلط بناديه ومشجعيه ويصبح ممثلا له متقمصا لشخصيته، يفرح بانتصاره، لأنه يشعر بأنه انتصار له هو فى النهاية.
ومما لاشك فيه ان نجاح ناد فى كسب بطولات متتالية هو أكبر حافز لمشجع الكرة على الانتماء اليه، فالمشجع فى هذه الحالة يضمن مكاسب نفسية ترضيه. ثم يأتى بعد ذلك عامل مهم للانتماء إلى هذا النادى او ذاك، وهو حجم الجمهور الذى يشجعه. فإن المزيد يجذب المزيد، ومادام الانتماء هو الهدف الاول..