غلطة من؟


رضوى أسامة

آخر تحديث: الخميس 10 نوفمبر 2011 - 10:05 ص بتوقيت القاهرة

ضحكت صديقتى وأنا «أزعق لها» على ترديدها بعض الكلام السلبى عن جنينها، كانت تردد كلاما من نوعية «لم أكن أريد هذا الطفل» و«ده كان غلطة» و«لو لم يكن حراما لأسقطته»، لم تستوعب أن تلك الاتجاهات السلبية تجاه جنينها تصله حتما.

 

ويزيد من تأثيرها سوءا أن تصبح شعورا عاما تجاه الطفل عندما يولد وتظل الأم تردد هذا الكلام طيلة الوقت أمام طفلها وخصوصا فى فترات الغضب.

 

لدى مريضة وهى تتحدث عن طفولتها كانت تتحدث عن تلك الكلمات التى دائما ما سمعتها من أمها، كان ميلادها بعد فترة طويلة من مجىء آخر إخوتها، وجاءت دون تخطيط وسط حزن من الأم والأب والأخوات. وظل هذا الإحساس مسيطرا عليهم عندما يشعرون بالغضب تجاهها، وكانوا دائما ما يرددون الكلام السلبى أمامها ويشعرونها بأنها جاءت لتفسد حياتهم.

 

أمر سخيف أن تشعر طوال الوقت بأنك جئت غلطة، بالطبع أنا مع التخطيط الجيد للحمل وأشعر بأقصى نوبات غضبى عندما أستمع إلى أحد يحكى عبارة «مفيش وسيلة منع حمل بس مش عاوز أطفال»، لأننى أعرف وقتها أن هذا الطفل غير المخطط لمجيئه سيدفع ثمن كل ذلك.

 

شخصية طفلك تتشكل منذ أن كونت اتجاهات ناحيته وهو جنين فى بطن الأم، اندهشت صديقة أخرى عندما أخبرتها بضرورة الاحتفاظ بكل صور السونار منذ الشهر الأول فى ألبوم صور طفلها، لكنها وافقتنى عندما أفهمتها أنك حينما تجلسين مع طفلك وتظهرين له كل الصور واللقطات النادرة التى أخذت له حتى وهو جنين فتلك رسالة تصله مفادها: «أنا مهم فى حياة هذه الأسرة وكان مخططا لمجيئى»، وهذا ما يشعره بالأهمية بدوره وبدفء العلاقات فى الأسرة.

 

 حديث الأم والأب معه وهو جنين وبعد أن يولد من الأشياء المهمة، ليس مهما نوعية الكلام الذى تقوله له، بقدر أهمية نبرة الصوت الحانية وهو جنين، والابتسامة الهادئة بعد أن يولد.

 

أيضا من الأشياء المهمة فى تشكيل شخصيته وبنائها الاسم الذى اخترته له، أو دعنى أقل تأويلك لهذا الاسم، عندما أسمانى أبى «رضوى» وأفهمنى أن هذا الاسم يعنى جبل رضوى الممتلئ بأنهار العسل والمياه الصافية الذى يختبئ داخله المهدى المنتظر كما تقول الأسطورة، تلبستنى بعض من هذه الصفات كالصلابة والنقاء، وكأن اسمى يمنحنى طريقا فى اتخاذ ما أريد، وعندما أطلق صديق لى اسم نادر على مولوده الأول، كان يرى أن هذا الطفل سيكون نادرا بحق فى سماته الشخصية ويربونه على هذا الأساس، وأظن أن الطفل عندما يكبر سيفهم ذلك بسبب تكرار الأهل لمعنى ودلالة اسمه.

 

حكت لى أخرى عن رفضها لطفلتها البالغة من العمر أربعة عشر عاما وذلك عندما ولدت، حيث كانت حامل بتوءمين وأثناء الولادة فقدت الذكر وبقيت الأنثى، فشعرت الأم بغضب شديد على الطفلة ورفضت إرضاعها، وظلت تعاملها طوال الوقت على أنها فأل سيئ على الأسرة وعلى أخيها التوءم.

 

الطفلة الآن تعانى من اكتئاب وتشعر بعدم محبة أمها لها ولديها عشرات الأدلة الصحيحة على ذلك.

 

هذه الطفلة تشعر بعدم مرغوبيتها الاجتماعية وعدم مرغوبيتها فى الحياة أساسا، وهو ما تشكل منذ اللحظات الأولى للميلاد وحفر على مر السنوات.

 

لذا فأنا أرى أن التخطيط الجيد لاستقبال طفل من أهم الخطوات التى ستشكل شخصية هذا الطفل بعد ذلك، وهذا ما يدفعنى للغيظ من عدم وجود وسائل حمل مناسبة للأمهات اللاتى لا يرغبن بالحمل بطفل آخر، فأنا أرى أن ذلك إساءة فى حق هذا الطفل.

 

لا يوجد ما يسمى بالغلطة، إنما يوجد ما يسمى بالإهمال الذى يدفع للغلطة، أكثر ما يغيظنى فى مجال مشورة الأطفال أن أجد الأهل رافضين بالفعل لوجود الطفل، ولديهم عشرات الاتجاهات السلبية تجاهه، والموضوع ليس له علاقة ببعض السلوكيات السلبية لدى الطفل والتى تحتاج لتعديل، لذا ففى كثير من الأحيان أؤجل العمل مع الطفل حتى ننتهى من تعديل العديد من الأشياء لدى الأهل الذين هم بحاجة إلى علاج فعلى وليس الطفل.

 

هناك حاجة ملحة وأنتم على مشارف الاستعداد لاستقبال طفل أن تحدد اتجاهاتك نحو هذا الطفل وتعدل منها لأنها حتما ستؤثر فى سلوكياتك والتى ستؤثر بدورها فى تشكيل شخصية هذا الطفل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved