التحديات المستقبلية للذكاء الاصطناعى
محمد زهران
آخر تحديث:
الجمعة 10 نوفمبر 2023 - 7:45 م
بتوقيت القاهرة
تعميم استخدام أية تكنولوجيا يأتى دائما بعدد من التحديات تبدأ من الخوف من التكنولوجيا نفسها خاصة من عامة الناس ثم عدم الثقة فى تلك التكنولوجيا ويأتى ذلك من الرعيل الأول من مستخدميها ثم ظهور بعض الأخطاء فى الاستخدام فى البدايات وأخيرا يأتى تأثير تلك التكنولوجيا على الاقتصاد ومن ثم على السياسة. ولا توجد تكنولوجيا تؤثر فى العالم الذى نحن فيه الآن أكثر من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى، وهى تؤثر على جميع مناحى الحياة وبالتالى تأثيرها أكبر وأوسع من أية تكنولوجيا قبلها حتى ثورة الاتصالات، وهذا التأثير الكبير يجعلنا ننظر وبدقة شديدة لمستقبل هذه التكنولوجيا والتحديات التى ستقابلها فى المستقبل القريب لأن تلك التحديات لها تأثير كبير على مستقبل تلك التكنولوجيا وبالتالى تأثيرها على حياتنا.
...
منذ أيام قليلة أصدر البيت الأبيض أمر تنفيذى متعلق باستخدامات الذكاء الاصطناعى ويعتبر هذا الأمر هو الأشمل والأكثر تحديدا منذ ظهور تلك التكنولوجيا. الهدف من هذا الأمر هو زيادة الأمان فى استخدام الذكاء الاصطناعى عن طريق دفع الشركات المتخصصة فى إنتاج تلك التكنولوجيا بانتهاج استراتيجية أكثر شفافية عن كيفية تدريب برمجيات الذكاء الاصطناعى وكذا نشر نتائج الاختبارات التى أجرتها على تلك البرمجيات قبل استخدامها الفعلى فى الحياة، لكن هذا النشر ليس لجمهور الباحثين، ولكن فقط مع الحكومة الأمريكية خاصة إذا كان استخدام الذكاء الاصطناعى قد يؤدى إلى الإضرار بالأمن العام (الأمريكى طبعا) فى حالة الخطأ. لاحظ أن الذكاء الاصطناعى قد يخطئ، هو أكثر دقة من البشر فى بعض المجالات لكنه ليس منزها عن الخطأ. الأمر التنفيذى أيضا يطلب من الشركات أن تُعْلِم المستخدمين أن ما يرونه هو من انتاج الذكاء الاصطناعى وليس البشر، مثلا عندما تريد أن تشاهد فيديو يجب أن تعلم أن كان هذا الفيديو من إنتاج البشر أم الذكاء الاصطناعى.
هذا الأمر التنفيذى يعتبر أول تحدى لتلك التكنولوجيا لعدة أسباب:
• لا يوجد ما يدفع الشركات لتنفيذ هذا الأمر أو حتى إخفاء بعض المعلومات، خاصة أن هذا الأمر لم تتم الموافقة عليه أو حتى مناقشته من الكونجرس.
• المنافسة بين الشركات قد تدفعهم فعلا لإخفاء بعض المعلومات.
• هذا الأمر أخذ فى اعتباره الجيل الحالى، لكن ماذا عن الأجيال القادمة؟ وأقصد هنا الأجيال القادمة من البرمجيات والأجيال القادمة من رؤساء أمريكا.
وهذا يأخذنا إلى التحدى الثانى: ماذا عن الأجيال القادمة من الذكاء الاصطناعى؟
...
الناس تجد دائما تسلية فى التنبؤ بالمستقبل. وإذا كان الأمر متعلقا بتكنولوجيا لها تأثير كاسح على حياتنا مثل الذكاء الاصطناعى فالتسلية أمتع بالنسبة للناس من كتاب وصحفيين وباحثين، بل وروائيين. هذا كله جميل لكن أغلب تلك التنبؤات تكون المبالغة فيها كبيرة جدا إما عن جهل أو لإعطاء جرعة تشويقية وترفيهية للنبوءة. هذه المبالغة تؤدى إلى إحدى نتيجتين: إما إلى خوف الناس أو إلى ارتفاع سقف التوقعات، وفى كلتا الحالتين النتائج كارثية. إذا خاف الناس فسيبتعدون عن تلك التكنولوجيا ويقاومونها وبالتالى ستقل سرعة إدخالها إلى الخدمة مما يودى إلى تأخر تلك الدولة الخائف أهلها عن ركب التقدم. النتيجة الثانية وهى ارتفاع سقف التوقعات فقد وجدنا أثره فى تاريخ تلك التكنولوجيا نفسها. فى ستينيات القرن الماضى حينما بالغت الصحافة فى قدرات برمجيات الذكاء الاصطناعى المتوقعة ثم وجدت الحكومات والشركات الكبرى أن الوعود أكثر بكثير من المتحقق فأحجموا عن تمويل أغلب المشروعات البحثية فى هذا المجال مما أدى إلى ما يشبه الموت الإكلينيكى له لمدة تزيد عن ربع قرن، ولا نريد أن يتكرر ذلك.
إذا حاولنا استشراف المستقبل القريب لبرمجيات الذكاء الاصطناعى دون مبالغة فماذا سنجد؟
• فى المستقبل القريب جدا سيتم جمع المزيد من المعلومات عن كل البشر والطبيعة والمعاملات بين البشر إلخ وستتقدم أكثر الحاسبات فائقة السرعة سواء فى القدرة التخزينية أو الحسابية، كل هذا يعنى أن الجيل الحالى من برمجيات الذكاء الاصطناعى ستصبح أفضل وأسرع.
• فى المستقبل القريب سنرى تقدم فى البرمجيات نفسها مما يجعلها تتقدم دون الحاجة لنفس الكمية الضخمة من المعلومات أو تكون لها القدرة على تصنيف المعلومات والتعلم منها بطريقة أفضل.
• سنرى أيضا برمجيات للذكاء الاصطناعى يمكنها التعاون مع بعضها وتبادل الخبرات للوصول لهدف معين، وقد ظهرت إرهاصات ذلك فى بحث نُشر منذ أقل من شهر عن تجربة قام بها باحثون صينيون وأمريكيون حيث استخدموا عدة برمجيات من (chatGPT) ليعملوا كفريق لتصميم برنامج كمبيوتر جديد، وقد قامت البرمجيات بعملها خير قيام وانتهوا من المهمة فى سبع دقائق فى حين أن الفريق البشرى استغرق أربعة أسابيع. فى المستقبل القريب قد تنتهى مهنة البرمجة كما نعرفها. لم يحن الوقت بعد لذلك لكنه قريب.
• بعد ذلك سنجد برمجيات لها القدرة على نقل خبراتها من مجال إلى آخر. حتى الآن كل برنامج من برمجيات الذكاء الاصطناعى تبرع فى تخصص واحد دقيق مثل الرسم والمحادثة وبعض التخصصات الطبية إلخ لكنها لا يمكنها استخدام خبرات فى مجال معين للوصول لإجابات فى مجال آخر، وهو ما يبرع فيه المخ البشرى.
وماذا بعد؟ خاصة عندنا فى مصر؟
...
يجب علينا فى مصر ليس فقط أن نتابع كل جديد، بل يجب أن نخرج من دائرة أن نكون مجرد مستخدمين لنصبح مبدعين من الدرجة الأولى. استخدام أدوات الآخرين من برمجيات وخلافه لإبداع شىء جديد هو إبداع ولا شك، وهو ما يفعله أغلب المبرمجين والمطورين عندنا، لكن ابتكار أدوات جديدة ونظريات جديدة وتحضير جيش من الخبراء فى مختلف المجالات يستطيع العمل كفريق واحد دون البحث عن مجد شخصى فهذا هو الإبداع الحقيقى.