أسئلة اقتصادية حول تصريحات عسكرية

سامر عطا الله
سامر عطا الله

آخر تحديث: السبت 10 ديسمبر 2011 - 8:30 ص بتوقيت القاهرة

نشرت الأهرام فى عدد الجمعة 2 ديسمبر تصريحات منسوبة إلى اللواء محمود نصر عضو المجلس العسكرى أن «القوات المسلحة أقرضت البنك المركزى مبلغ مليار دولار من عائد مشروعاتها الإنتاجية» وأنه يتوقع انخفاض الاحتياطى النقدى إلى 15 مليار دولار فى نهاية يناير المقبل. والجزء الآخر من التصريحات يحذر من انخفاض تغطية الاحتياطى لالتزامات مصر الخارجية. وحتى كتابة هذا المقال لم يصدر بيان أو تصريح رسمى من البنك المركزى حول تفاصيل هذا القرض. وهذا فى حد ذاته شىء يبعث على القلق ويثير عدة أسئلة مهمة. أبسطها ما هى شروط هذا القرض؟ هل هو منحة من المجلس العسكرى؟ أم قرض بفائدة؟ وما هى قيمة الفائدة؟ ومن سيدفعها فى النهاية؟

 

تتوالى الأسئلة فيما يتعلق بدور المجلس العسكرى فى إدارة الاقتصاد خلال ما يسمى بالمرحلة الانتقالية. البنك المركزى هو الجهة الوحيدة المنوطة بالسياسة النقدية وبإدارة الاحتياطى النقدى وهى الجهة التى تصدر بيانات وتصريحات فيما يخص حجم الاحتياطى ومدى قدرته على تغطية التزامات مصر الدولية. فالمتبع هو أن تخرج هذه المعلومات بعد دراسة وتدقيق وتقاس كل كلمة ورقم فيها فى ميزان ذهب. لأن بيانات البنك المركزى تحمل دائما رسائل للمتعاملين فى السوق المصرية سواء داخل أو خارج مصر. فما معنى أن يخرج التصريح من جهة غير مختصة؟ فعلى حد علمى وقراءتى للإعلان الدستورى لا يوجد ضمن اختصاصات المجلس العسكرى بند خاص بإدارة السياسة النقدية أو التعليق عليها. ولا تكمن خطورة هذا التصريح فقط فى أنه صدر من جهة ليست جهة الاختصاص بل تكمن أيضا فى أنه يرسل رسائل مقلقة حول قدرة الجنيه المصرى فى الحفاظ على قيمته. وحقيقة الأمر قد تكون أن الجنيه المصرى لا يواجه ضغوطا كبيرة ولكن قد تزيد الضغوط بسب تصريح كهذا يفتح الباب على مصراعيه للمضاربين على العملة.

 

وهذه حقيقة مثبتة فى الكثير من أزمات انهيار العملة سواء فى أمريكا اللاتينية أو فى آسيا حيث تنهار العملات أمام اندفاع المضاربين والخائفين على ودائعهم من العملة المحلية. فإدارة الأزمات الاقتصادية تحتاج إلى حرفية عالية وقد غابت هذه الحرفية عن تصريحات المجلس العسكرى. فمنذ توليه إدارة شئون البلاد والتصريحات تتولى الواحدة تلوى الأخرى حول إفلاس مصر خلال عدة أشهر وأن الإضرابات والاعتصامات تعطل عجلة الإنتاج. ومرت عشرة أشهر ولم تفلس مصر. كما غابت أيضا الرؤية الاقتصادية لإدارة المرحلة الانتقالية. يمر الاقتصاد المصرى بمرحلة انكماش نتيجة غياب خطة واضحة لانتقال السلطة. فالغالبية العظمى من المتعاملين فى الأسواق المالية ينتظرون أن تتضح الصورة. وبرغم التحفظات الكثيرة على استخدام مؤشر البورصة على أداء الاقتصاد المصرى فالواضح وضوح الشمس هو انخفاض المؤشر كلما زادت الضبابية حول مسار التحول الديمقراطى وارتفاع كلما ظهرت بوادر انفراج سياسى. وتجلى هذا بوضوح فى ارتفاع مؤشر البورصة خلال المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية. وتخفيف الضغوط على الجنيه المصرى لن يأتى بإطلاق تصريحات بها تخويف أكثر ما بها حلول. هناك مجال واسع لسياسات مؤقتة لايقاف خروج العملة الصعبة مثل إيقاف استيراد السلع الاستهلاكى غير الضرورية أو وضع حد أقصى للتحويلات الخارجية. وقبل كل هذا إعادة الأمن إلى الشارع المصرى. فكيف تزدهر أنشطة اقتصادية إنتاجية أو سياحية وإحساس الأمن منعدم؟

 

***

 

الجانب الآخر من التسأولات خاص بالمشروعات الإستثمارية للمؤسسة العسكرية. فإذا كانت المؤسسة العسكرية قادرة على إقراض مليار دولار فكم تمتلك بالفعل؟ وكم هو عائد نشاطها الاقتصادى؟ تشير الكثير من التقارير والأبحاث الخارجية إلى حجم الأنشطة الاقتصادية للمؤسسة العسكرية ولكنها تقديرات تخلو من قياس علمى ودقيق لأنها ظلت بعيدة أو مبعدة عن أى إشراف ومراقبة مستقلة ومعلنة.

 

فالأصل فى إدارة أى أموال عامة هى إشراف ومراقبة جهة مستقلة تمثل أصحاب المنفعة. فالإشراف على الميزانية العسكرية ليس بدعة ويتم فى الغالبية العظمى من الدول الديمقراطية تحت ضوابط وقواعد تصون خصوصية المؤسسة العسكرية. فالأجدى أن تكون الانشطة والمشروعات الاقتصادية التى تنفذها المؤسسة العسكرية فى المجال المدنى تحت إشراف ومراقبة مدنية. فهل تخضع هذه الأنشطة للضرائب المختلفة التى تفرضها الدولة على الأنشطة المماثلة؟ وهل ينظم قانون العمل المدنى علاقات العمل فى هذه المنشآت؟ فهل يحق للعمال فى هذه المصانع والمشروعات الحد الأدنى للأجور المزمع تطبيقه؟ وهل لهم الحق فى تنظيم أنفسهم وإنشاء نقابات تمثلهم وتمثل مصالحهم؟ فإذا لم تكن الإجابة على ما سبق من الأسئلة بنعم، فنحن أمام خلل قانونى واقتصادى كبير. تطبيق القانون على نشاط اقتصادى دون الآخر ينسف مبدأ حيادية القانون من الأساس ويخل بمبدأ التنافس الاقتصادى على أرضية واحدة ويحرم عمال من حقوق اكتسابها باقى عمال مصر. والأهم من كل هذا هو غياب إدارة الدولة لموارد الدولة. فالمؤسسة العسكرية فى الأساس مؤسسة تتبع السلطة التنفيذية والمفترض أن ميزانية المؤسسة العسكرية تقتطع جزءا من موارد الدولة التى هى بالأساس أموال المصريين.

 

الدولة منوطة أن تدير هذه الموارد فيما ينفع الشعب تحت إشراف ومراقبة من يمثله. وإذا غاب هذا المبدأ فنحن أمام صورة دولة مستقلة داخل حدود الدولة المصرية تقطع من أموال المصريين بدون حساب ومراجعة. وإذا كان هذا هو ما يبتغيه المجلس العسكرى عن طريق المادتين 9 و10 من ما يسمى «وثيقة السلمى» فنحن بصدد ديمقراطية منقوصة ومشوهة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved