كوافير وقهوجى ونخبة

أحمد الصاوى
أحمد الصاوى

آخر تحديث: السبت 10 ديسمبر 2011 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

سأل صديق مقرب «كوافير» يعمل بالقرب من سكنه بمصر الجديدة عن الانتخابات، فقال له: اخترت السلفيين، قال له بهدوء: لكن عملك ككوافير حريمى ربما يكون فى خطر حقيقى؟ لكن الرجل رد بحسم: «ساعتها هانزل الميدان».. المشهد ذاته تكرر فى وسط القاهرة حين سألت عامل المقهى الذى قال إنه انتخب السلفيين أيضا، وحين سألته عن مخاوف غلق المقهى أو تجريم الشيشة، رد الرجل بهدوء مشيرا فى اتجاه ميدان التحرير القريب جدا من المقهى: «والميدان راح فين؟».

 

يملك البسطاء فى هذا الوطن رؤية حقيقية يدهشك التدبر فيها لكنها تعكس لديك واقعا ربما غير مكتمل المعانى فى أذهان النخب، أو تسيطر عليه المخاوف الطاغية فتبعد بالعقل عن التفكير السليم، لكنها فى النهاية لابد أن تمنحك الثقة فى الجمهور وليس الهجوم عليه.

 

فمن ناحية لابد أن تتدبر لماذا اختار الكوافير والقهوجى المرشح الدينى رغم أنه يعلم تماما أن مهنته ستكون فى خطر، أولا لأنه مثل كل المصريين متدين حتى لو بفهمه وطريقته، ويمثل الدين بالنسبة له إطارا أخلاقيا واجتماعيا عاما، وليس بالضرورة أيديولوجية سياسية بكل ما يصاحبها من تكفير للخصوم.

 

كذلك ذهب الاثنان إلى الصناديق وفى ذهنيهما رؤية مبررة، أن البلاد لا تعانى من أزمة كفاءة بقدر ما تعانى من أزمة أخلاق، وأن الفساد الذى كان يتلمسه بنفسه، ثم سمع وقرأ وشاهد فجره وتوحشه بعد الثورة، كان حاكما فى اختياره لناس «بتوع ربنا» وفق مفهومه المترسخ عن أهل الدين وصلاحهم على إطلاقهم.

 

كذلك اختار الاثنان السلفيين ولم يختارا الإخوان، فالجماعة بالنسبة لهما أهل سياسة، وفى الذهنية العامة هم قوم يستخدمون الدين للوصول إلى السياسة، ومثلهم مثل كل السياسيين فى الثقافة المصرية العامة دون استثناء يضطرون لممارسات انتهازية وصفقات وتراجعات وأشياء غير أخلاقية بمفهوم القطار المستقيم فى مساره الذى لا يقدر المواءمات، فكان السلفيون بالنسبة له هم «المصلحون البكر» الذين لم تلوثهم السياسة أو تنحرف بهم أخلاقيا.

 

لكن فى مقابل كل ذلك يستوعب كليهما أن مزاج الشعب المصرى وتركيبته وما ارتضاه لنفسه من فهم للدين سيبقى، هو لا يحدثك عن الشعب الذى قاوم تشيع الفاطميين، وقاوم العنف الدينى، وما غير ذلك من تنظيرات، لكنه بفطرة كاملة يعرف أنه يختار وفق ترتيب أولوياته فى الاختيار، ويؤمن كذلك أن أى سلطة لن تستطيع أن تهدد عمله لأنه صار جزءا من التركيبة الثقافية للشعب أو على الأقل قطاع كبير فيه، وإذا حدث ذلك فمازال يملك آلياته ووسائل وطاقته فى المقاومة وعرف الطريق إلى الميدان.

 

هل لدينا نخبة بهذا النضج؟ تفهم الأسباب الحقيقية لصعود التيار الدينى وتعمل بعيدا عن «الولولة» على إصلاح الصور المشوهة فى الأذهان، وتؤمن بالشعب وبقدرته على حماية مكتسباته الثقافية والحياتية وحرياته العامة، فتحفز فيه التفكير المختلف الذى لا يحصر الأخلاق فى التيار الدينى، ولا يحصر الكفاءة فى التيار المدنى، ولا يستبعد الدين كإطار عام، لكنه يحذر من أدلجته وتسييسه بالشكل الذى يجعل المعركة وكأنها على الإسلام، ويعيدنا للحظة تاريخية رفعت فيها طائفة شعار : «إن الحكم إلا لله» فى مقابل أخرى ترفع ذات الشعار، واشتعلت الحروب فى زمن بكارة الإسلام لسنوات وكل أطرافها لديه مرجعيته الدينية وآياته وأحاديثه وتأويلاته التى تحلل الحرب والقتل باسم الله حتى لو كان المقتول أيضا يظن أنه يقاتل باسم الله كذلك..!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved