الصحوة العربية وإسرائيل
توماس فريدمان
آخر تحديث:
السبت 10 ديسمبر 2011 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
تواجه إسرائيل أكبر تآكل فى محيطها الاستراتيجى منذ تأسيسها. فهى تتباعد عن تركيا التى ظلت حليفتها فترة طويلة. ومن المشتبه فيه أن إيران، عدوتها اللدود تسعى لإنتاج قنبلة نووية. كما زلزلت ثورتان أركان أقوى دولتين على حدودها؛ سوريا ومصر. بينما تسيطر حماس وحزب الله على أضعف دولتين على حدودها: غزة ولبنان.
فى هذا السياق قال رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أمام الكنيست يوم الأربعاء الماضى إن الصحوة العربية تحرك العالم العربى «إلى الوراء»، وتتحول إلى «موجة إسلامية، معادية للغرب ومعادية لليبرالية، معادية لإسرائيل وغير ديمقراطية». وقال إنه ليس من الحكمة التخلى عن أراض للفلسطينيين فى مثل هذا الوقت: «فنحن لا نعرف إلى من سوف تؤول فى نهاية المطاف أى قطعة من الأراضى نتخلى عنها».
وأضاف نتنياهو «فى فبراير، عندما احتشد الملايين من المصريين الى الشوارع فى القاهرة، قال معلقون وبضعة أعضاء من المعارضة الإسرائيلية، إننا نواجه مرحلة جديدة من الليبرالية والتقدم. وزعموا أننى أحاول تخويف الرأى العام وأننى على الجانب الخطأ من التاريخ، ولا أدرك إلى أين تسير الأمور». «وأكد أن الأحداث، وفقما ذكر أمام الكنيست، أثبتت صحة موقفه. ونقل عن نتنياهو قوله، إنه عندما حذر الرئيس أوباما وزعماء غربيون آخرون من دعم انتفاضة ضد الرئيس المصرى فى ذلك الحين حسنى مبارك، قيل له إنه لا يفهم الواقع: «وأنا أتساءل اليوم، من الذى لم يفهم الواقع هنا؟».
وقد يكون تحليل نتنياهو للمخاطر التى تواجه إسرائيل صحيحا، وربما تزداد الأمور سوءا. أما الأمر الخاطئ، فهو تشخيص نتنياهو لكيفية حدوث ما حدث، وتوصيته بما يمكن فعله حيال ذلك ــ ويمكن أن تكون تلك الأمور، التى لا تلقى اهتماما كافيا، خطيرة جدا بالنسبة لإسرائيل.
التشخيص: منذ البداية، يصر مسئولون إسرائيليون على أن أوباما ساعد على إسقاط مبارك بدلا من إنقاذه. وهذا هراء. فقد سقط المستبدون العرب بأيدى شعوبهم، ولم يكن هناك فرصة لإنقاذهم. وفى الواقع، كان لدى مبارك ثلاثة عقود لتحقيق انفتاح تدريجى فى السياسة المصرية، وإنقاذ نفسه. فماذا فعل؟ فى العام الماضى، أجرى الانتخابات الأكثر تزويرا فى التاريخ المصرى، حصل فيها حزبه على 209 من أصل 211 مقعدا. ومن المدهش أن الانتفاضة لم تندلع على الفور.
وليس من الممكن تجاهل خوف إسرائيل من استيلاء الإسلاميين على السلطة فى كل مكان. ولكنه كان احتمالا قائما، يرجع بالتحديد إلى الخمسين عاما الماضية من الدكتاتورية العربية، التى سمح فيها للاسلاميين بالتنظيم فى المساجد فى حين لم يكن يسمح بتطور أحزاب علمانية مستقلة، فى الساحة السياسية. وقد أعطى هذا ميزة للأحزاب الإسلامية. فقد كان الديكتاتوريون العرب ملائمين لإسرائيل والإسلاميين ــ ولكنهم أعداء للتنمية العربية والتعليم. والآن، بعد زوال الاستبداد سوف يكون طريق التحول وعرا. ولكن، لا مفر، وقد بدأت المرحلة السياسية الجديدة لتوها: سوف يضطر الإسلاميون الآن إلى التنافس مع الأحزاب العلمانية الشرعية.
***
ويرى نتنياهو التوقف عن القيام بأى تحرك. وأنا أتفهم عدم تنازل إسرائيل فى هذه الفترة بالتحديد عن الأراضى لحركة فلسطينية منقسمة. ولكن، ما لا أستطيع فهمه هو عدم القيام بأى شىء. فلدى إسرائيل صحوة عربية فى ساحتها الخلفية، تتمثل فى شخص رئيس الوزراء سلام فياض فى السلطة الفلسطينية. وقد كان الزعيم العربى الأكثر راديكالية على الإطلاق. فهو أول زعيم فلسطينى يقول: لا تقيمونى بناء على كلامى، وإنما بناء على جهودى لتحسين حياة شعبى. وانصب تركيزه على بناء المؤسسات ــ بما فى ذلك قوة الأمن التى تعترف إسرائيل بأنها حافظت على حالة السلم ــ بحيث يكون الفلسطينيون مستعدين للتوصل إلى حل الدولتين. وبدلا من أن تكافئه إسرائيل، احتجزت ــ كعقاب للفلسطينيين بسبب ضغوطهم على الأمم المتحدة للحصول على دولة ــ مائة مليون دولار من عائدات الضرائب الفلسطينية التى يحتاجها فياض لدفع رواتب قوات الامن التى تساعد على حماية إسرائيل. وهذا جنون.
ويعتبر تعزيز نهج فياض أفضل وسيلة دفاع لدى إسرائيل، بما فى ذلك إعطاء أجهزة الأمن الفلسطينية المزيد من الصلاحيات، لزيادة شرعيتها وتوضيح أنها ليست الحامية الدائمة للاحتلال الإسرائيلى. ولن يساعد هذا على استقرار الفناء الخلفى لإسرائيل نفسها فقط ــ ويمنع اندلاع انتفاضة أخرى من شأنها أن تنتشر كالنار فى الهشيم فى العالم العربى فى غياب الطغاة القدامى الذين كانوا سيقمعونها ــ ولكن سوف يضع الأساس للتوصل إلى حل الدولتين وإقامة علاقات أفضل مع الشعوب العربية. ولنتذكر أن تلك الشعوب العربية سيكون لها صوت أعلى فى نهج الحكم فى بلادها، وفى تحديد من تقيم معه سلاما.. وفى هذا السياق، سيكون من الأفضل لإسرائيل بكثير أن ينظر إليها باعتبارها تعزز القيادات الفلسطينية المسئولة والديمقراطية.
***
ولا شك أن هذه لحظة دقيقة للغاية. وهى تتطلب، قيادة إسرائيلية حكيمة، بعيدة النظر. حيث تتزامن الصحوة العربية مع آخر آمال التوصل إلى حل الدولتين بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وسوف يميل اليمين الإسرائيلى إلى عدم القيام بأى تحرك، ويصرون على ان الوقت غير مناسب للمخاطرة ــ وهو لن يكون كذلك أبدا ــ ولذلك تحتاج إسرائيل إلى احتلال الضفة الغربية ومواطنيها الفلسطينيين إلى الأبد. وربما يشكل ذلك أعظم الأخطار على الإطلاق بالنسبة لإسرائيل: أن نستيقظ ذات يوم، ونكتشف أن الدولة اليهودية، ردا على الصحوة الديمقراطية العربية المشوبة بالفوضى والاضطرابات، قد ضحت بطابعها الديمقراطى الخاص.