أُم الدنيا أم الجماعة الأم?
ياسمين فاروق
آخر تحديث:
الإثنين 10 ديسمبر 2012 - 8:58 ص
بتوقيت القاهرة
درسنا فى العلوم الاجتماعية أن الشعب المصرى يحمل خصائص الأمة وفقا لمختلف التعريفات بدءا بتعريفات ابن خلدون وصولا إلى التعريفات الغربية للأمة فى إطار الدولة الوطنية. ودرسنا أن الأمة المصرية متجانسة تقل فيها احتمالات الحرب الأهلية ويسهل حكمها لأنها تمثل كتلة واحدة تكاد تنعدم فيها الانقسامات العرقية والدينية.
ودرسنا أن حدود الدولة المصرية راسخة منذ الفراعنة وأن التغيرات التى طالت حدودها عبر التاريخ كانت عابرة. فمصر «على الخريطة» من قبل ميلاد مفهوم الدولة القومية. ولكن مع تمكين الإسلام السياسى فى مصر، ومع تصاعد العنف المصرى ــ المصرى ومن قبله مواد الدستور التى تتحدث عن «الطابع الأصيل للأسرة المصرية» و«الوحدة الثقافية واللغوية والحضارية للمجتمع المصرى»، يعاد طرح عدد من الأسئلة حول ما ومن هو مصرى.
•••
ويتناول هذا المقال تحديدا مستقبل الدولة المصرية فى علاقاتها بالخارج بعد سيطرة تيارات إسلامية لا ترى مصر إلا فى الإطار الإسلامى، أقله على المستوى النظرى. ونقصد فى هذا المقال تحديدا الإخوان المسلمين الذين يمثلون أكثر حركات الإسلام السياسى عملية وتنظيما فيما يخص علاقاتهم الخارجية العابرة للحدود الوطنية. وفى الحقيقة، كتب الكثير من المتخصصين فى حركات الإسلام السياسى منذ سنوات عن تراجع نفوذ الإخوان لدى الحركات الإسلامية فى الخارج. فقد ضعفت الشبكة الدولية للإخوان المصريين وأصبح التنظيم الدولى للإخوان المسلمين مشروعا من الماضى تنكر بعض الرموز الإخوانية أنه وجد أساسا.
أضف إلى ذلك أن الحركات الإسلامية الوطنية التى تفرخت فى الخارج عن جماعة الإخوان المسلمين المصرية ــ الجماعة الأم ــ اكتسبت تدريجيا استقلالية فكرية وحركية عن إخوان مصر. بل إن بعض هذه الحركات أعلن صراحة فى مواقف تاريخية معينة أن له مرشدا خاصا يختلف عن المرشد العام المصرى. فحماس اعتبرت الشيخ أحمد ياسين أكثر من مجرد مراقب عام وتعتبر حركة النهضة التونسية أن الإخوان فى مصر أقل حداثة من النهضة وتضع الغنوشى فى منزلة المرشد.
ومن المفارقة أنه فى الوقت الذى كان الإخوان فى مصر يحملون مبارك مسئولية اندثار الإشعاع الخارجى لمصر، فقد تشابهت مكانة الجماعة الأم مع مكانة الدولة المصرية عربيا واقليميا. فأصبحت الجماعة تحمل الرمز الأدبى والمعنوى للجماعة الأم الذى لا يرتب أية آثار تتعدى تلك التى تتمخض عنها مكانة مصر «أم الدنيا». حيث انتهى العهد الذى كانت فيه أفكار ورموز جماعة الإخوان المسلمين المصرية تنزل منزلة القيادة عند الحركات الإسلامية الأخرى. ومن المفارقة أيضا أن أحد أسباب هذا التراجع هو أن الطابع المصرى فى العلاقات الخارجية عند الجماعة الأم تغلب على الطابع الإسلامى.
إذ تعامل الإخوان بنفس الأبوية والتعالى مع الحركات الإسلامية الأخرى بشكل تجاهل التطور الفكرى والسياسى لهذه الحركات مما جعلها تستنكر القيادة المصرية بالضبط مثلما تستنكر دول المنطقة على مصر منزلة القوة الإقليمية و«الراعى الأبوى» التى لا تبررها تحولات الخريطة الجيوسياسية والاقتصادية للمنطقة.
•••
ويثير هذا التوازى فى العلاقات الخارجية لكل من الإخوان المسلمين والدولة المصرية تساؤلا: ألا يمكن أن يتمخض التقاء فكر وعلاقات كل من الجماعة والدبلوماسية المصرية عن تحول فى العلاقات الخارجية لمصر يوازيه إعادة إحياء المشروع العالمى للإخوان المسلمين؟
إذ يجعل تولى الإخوان المسلمين للحكم فى مصر من السياسة الخارجية ساحة لاختيار ما أطلق عليه عملية «الأخونة». ويعزز من ذلك عدة عوامل. أول هذه العوامل أن مفهوم «أستاذية العالم» الذى وضعه الإمام حسن البنا جزء من المنظومة الفكرية للإخوان المسلمين التى تسعى إلى قيادة الأمة الإسلامية من خلال مصر التى ما هى إلا جزء من هذه الأمة أو عاصمة لها. ثانى هذه العوامل هو أن جماعة الإخوان المسلمين فى مصر لم تفقد الاتصال مع حركات الإسلام السياسى فى الدول الأخرى.
إذ فقدت الجماعة الأم فى علاقاتها مع الحركات الأخرى ــ بما فيها الحركات التى وصلت إلى الحكم مؤخرا ــ الاقتراب الهيراركى الذى يربط بين جماعة وفروعها، ولكن استمرت العلاقات فى شكل شبكى يجمع ما بين شركاء أو أعضاء فى نفس «نادى» حركات الإسلام السياسى. ثالث هذه العوامل هو أن خبرة الإخوان المصريين فى العمل الدولى غير محدودة. فالجماعة المصرية لم تقتصر على العمل فى إطار التنظيم الدولى ــ الذى يرجع تأسيسه إلى ١٩٨٢ــ ولا من خلال فروع الإخوان المسلمين فى باقى أقطار العالم العربى فحسب. فقد كان التنظيم مفتوحا لكل الحركات الإسلامية التى تريد الانضمام وكان الإخوان مؤثرين فى إطار منظمات إسلامية دولية خارج التنظيم مثل الاتحاد الدولى للبرلمانيين الإسلاميين والرابطة العالمية للشباب الإسلامى. كذلك احتفظ الإخوان بعلاقات مع الأنظمة الحاكمة فى عدد من الدول العربية والإسلامية بل والغربية بدأت منذ تشتت أعضاء الجماعة حول العالم هربا من القمع.
نضيف إلى هذه العوامل أن التداخل بين الدبلوماسية الشبكية للإخوان مع الدبلوماسية الرسمية للدولة المصرية تشجعه اليوم القوى الغربية. فمشروع مصر الإخوانية كما يقدمه مسئولو العلاقات الخارجية فى حزب الحرية والعدالة وفى رئاسة الجمهورية يعبر عن نموذجا لدولة إسلامية ديمقراطية سنية معتدلة وبراجماتية تشجع أمريكا وأوروبا انتشاره لعدة أسباب أهمها: أن الضغط عليه سهلا نتيجة لبراجمتية القائمين عليه وللحالة الاقتصادية الهشة لمصر؛ كما أن مصر الإخوان يطرحون نموذجا بديلا يواجه التيارات الإسلامية السلفية والجهادية والشيعية فى نفس الوقت. بل وتستغل القوى الغربية فى ذلك الشعبية الإقليمية والدولية لمصر منذ ثورة ٢٥ يناير.
•••
ولكن، وعلى الرغم من أن هذا المشروع قد أنعش التحركات الخارجية للرئيس ومساعده للشئون الخارجية، فإن سياسة الجماعة فى الداخل باتت تهدد هذ الحلم. فمن ناحية، لا ترتاح القوى الغربية إلى تحالف الإخوان المسلمون مع السلفيين وقوى الإسلام السياسى المتشدد فى داخل مصر. ومن ناحية أخرى، إن القرارات السلطوية التى تخرج من مكتب الارشاد ورئاسة الجمهورية تقضى على مشروع مصر كنموذج سواء بالنسبة لحركات الإسلام السياسى فى الخارج أو كنموذج بديل للنموذج الذى تطرحه الأنظمة الإسلامية فى السعودية وإيران.
وعليه، فإن تفاعل كل هذه العوامل هو ما سيحدد ما إذا كانت السياسة الخارجية للنظام الجديد تعمل على تحويل أم الدنيا إلى عضو فى شبكة إسلامية دولية تكون للجماعة الأم الريادة فيها، أم سيدمج الإخوان شبكة علاقاتهم العابرة للحدود الوطنية فى إطار مؤسسات العلاقات الخارجية للدولة المصرية.