معلماتنا الجميلات..
صحافة عربية
آخر تحديث:
الخميس 10 ديسمبر 2015 - 9:00 ص
بتوقيت القاهرة
تنشط فاعليات رسمية وغير رسمية، فى العالم كله هذه الأيام فى الحديث عن التمييز والاضطهاد والعنف، وغيرها من العناوين التى تخص المرأة. مع حملات واسعة تحارب هذه الآفات الاجتماعية، يشارك فيها مشاهير الفن والرياضة والسياسة.
اليوم أحببت أن أتشارك وإياكم فى عنوان واحد، هو التمييز فى الأجور ما بين المرأة والرجل العاملين فى القطاع نفسه، وبالأخص فى قطاع التعليم عندنا، وذلك للتقدير الكبير لهذه الفئة المظلومة مهضومة الحقوق، وللمفاجأة طوعا من قبل معلماتنا المنجبرات، على أوضاع حقوقية وإنسانية سيئة جدا. فحرى بنا لو لدينا أدنى ضمير، أن نظل نفتح هذا الجرح، ونسكب فيه الملح حتى يبرأ!
المعلمة فى بلادنا يعتقد مسئولونا، وكثير من فئات المجتمع، أن عملها فى حقل التعليم الخاص مثلا، ما هو إلا رفاهية أو ترف زائد، الهدف منه الحصول على بضعة دنانير تصرفها على كمالياتها. هذا هو التفسير المنطقى الوحيد الذى يشرح الهوة الواسعة ما بين أجور المعلمات والمعلمين فى الأردن، وأتحدث تحديدا عن المدارس الخاصة، حيث لا يرحم أصحابها المرأة العاملة فى العموم، سواء كانت مديرة أو معلمة أو عاملة نظافة أو سكرتيرة. فالاعتبارات التى يسوقها متنفذو التعليم الخاص، ويبنون عليها حججهم فى التمييز ما بين المرأة والرجل، هى الأسباب ذاتها المروجة الممجوجة المدهشة، فى سياقات التبرير الذكورى الفذ، لهذه التفرقة والقائمة كالعادة على مبدأ القوامة الذكورية على المرأة، المفترض حسب آرائهم أنها مكلفة شرعا وقانونا وأخلاقا، من قبل رجل مسئول عنها وعن مصاريفها! هذا بالطبع تماما الذى لا يحدث أبدا فى مجتمعنا، إلا لماما ولمن يمتلك فعلا قدرة مادية تسمح لهما بهذا «الدلع»، أو مع نسبة ربما لا تتجاوز الواحد بالمائة ممن يعتقد بأحقية المرأة فى التصرف بمصادرها المالية.
المعلمة، معلمة بناتنا وأولادنا فى الصفوف الصغيرة، ومن ثم معلمة البنات فى الصفوف الأكبر، هى الشخص الثانى الوحيد الذى نسمح له أن يكون شخصية أبنائنا منذ نعومة أظفارهم. وهى الشخص الثانى مباشرة فى التأثير والتطوير والإنماء العقلى والثقافى والوجدانى لهم. ومع ذلك نسمح لقوانين بالية ومنظومات تعليمية فاسدة أن تحرمها حقها الطبيعى فى المكافأة المادية، أسوة بزميلها الرجل فى المدارس. المعلمة التى تدخل الصف وتقول قيام، هى التى تقيم بيتها وأولادها وربما أهلها إن لم تكن متزوجة، وتفعل ذلك دائما عن طيب خاطر وبدون مزاودات فى قصة التضحيات، التى يقدمها البعض كحكايات بطولية نادرة!
المعلمة التى تأخد قسطا من بيتها وقسطا من أبنائها وأقساطا من صحتها وحريتها، لتقوم بواجبها كما يبنغى لها أن تفعل، من أجل أن تسدد أقساطا متراكمة على أسرتها الصغيرة والكبيرة، علينا جميعا أن نقف إلى جانبها. ونبدأ بحملات فضح وتشهير المدارس الخاصة التى تجبرها على التوقيع على عقد «خارجى»، يضمن حقوقها القانونية، فيما كل ما تتسلمه لا يتعدى نصف الحق ماليا وإداريا، هذا إذا فتحنا موضوع الإجازات وعقود الشهور التسعة!
للأسف، بل وللأسف الغريب، أن غالبية تلك المدارس أصحابها من السيدات! وهذه ظاهرة يجب الوقوف عندها مليا، وتحتاج إلى تفسير علمى منطقى يفسر ظلم المرأة للمرأة، خصوصا فى حقل عمل يعد من أشرف الحقول وأكثرها احتراما وقيمة «هذا هو المفروض».
وللأسف أيضا، أن موضة الاستحقاقات المالية المجتزأة للمعلمات، تنسحب أيضا على الدروس الخصوصية، حيث التفرقة ما بين المدرسين الأنثى والذكر كبير وغير مفهوم، رغم أن المعلمة التى تضطر لهذا العمل الإضافى، مؤكد تفعل ذلك لنفس الدواعى الاجتماعية والاقتصادية.
أدعى أن هذه ليست المرة الأولى التى نكتب بها زملائى وأنا حول هذا الظلم القاهر، مع دعوات إلى وزير التربية والتعليم ومديرى التعليم الخاص، إلى فرض المراقبة على المؤسسات التعليمية عديمة الضمير، لكن للأسف الأمر آخذ فى الاستفحال والتجنى على معلماتنا الجميلات.
حنان كامل الشيخ
الغد ــ الأردن