الضحك بالإكراه
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأحد 10 ديسمبر 2017 - 10:05 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة الرأى الأردنية مقالا للكاتب «باهر يعيش» جاء فيه؛ الضّحك عمليّة تسخّر بها قليلا من عضلات الوجه لتبيان حالة استرخاء وسعادة نادرا ما تشعر بها، خاصة فى حاضرنا الملىء بما يكدّر. فالحالة السائدة فى عصرنا فى وقتنا، تفرض وتستلزم عمليّة معاكسة تتحّرك بها أضعاف مضاعفة من عضلات الوجه مئات المرّات يوميا لترسم عقدة (تشنيكة).
تقف لتأخذ صورة من أجل استعمال رسمى: جواز سفر، هوية شخصيّة، رخصة سياقة، هويّة للحصول على سلعة مدعومة. ترتخى عضلات وجهك من طول وقفة الطابور حتى يحين دورك. يخالونك تبتسم.. ترتكب إثم الابتسام، ينهرك من يصوّرك، راعى الصورة ومن وراء (تشنيكته): انظر إلى الأمام ارفع رأسك جمّد ملامحك اقطع اكتم النّفس. تتساءل هل هى صورة لسجين ارتكب جناية مع زى مقلّم ورقم متسلسل، أم صورة لهويّة؟! تحصل على هويتك وقد حملت صورة لرجل ستكرهه، يكبرك بألف عام بوجه ملىء بالحفر والتّضاريس متجهّم الوجه من ضحايا ريا وسكينة أو (عشماوى) إياه من تفنّن فى سحب باب الفتحة من تحت أقدام ذوى الزى الأحمر.
تحضر ندوة محاضرة لمحاضر أديب شخصيّة سياسية أو مهرجان انتخابى حامى الوطيس. تحرص على أن تكون فى الصفوف الأولى ولو كلّفك ذلك مبيت ليلتك على باب القاعة إثباتا للحضور. يهرع المصوّرون الصّحافيّون لأخذ الصور تخليدا للذكرى العطرة ولنشرها على وسائل الإعلام. تتجبصن ترفع هامتك تنتشر العقدة إياها على تقاطيع وجهك دلالة الجديّة الأهميّة الجاه علوّ الهامة والهمّة والقيمة والحسب والنّسب وقربك من المحاضر صديق العمر الذى لم يرك فى حياته. البعض من روّاد الصفوف الخلفية يَشْخصون يُشخّصون يمطّون رقابهم لتعلو وجوههم رءوس من أمامهم. بل قد يفتعلون القيام ولو لملاحقة بعوضة لا أثر لها. قد يرفع يده يرسم بها مسحة متكلّفة على بقايا شعر للفت الانتباه، يختلس فى بعده عن الأضواء ابتسامة أو ضحكة هى الضحكة البكر وربما الأخيرة فى حياته سعة بوابة المتوّلى أو باب الخلق فى قاهرة المعزّ لتملأ البيت بالزّغاريد وتهرع العائلة إلى النّجم اللامع السّاطع سليل المقاعد الخلفيّة.
فى عصرنا ووسط الرّفع فى وتيرة كلّ شىء: الأسعار الضرائب، تهتّك وتعب الأعصاب، الصّراعات الخلافات الحروب والمجازر والخناقات من حولنا، ومن كثرة حالة التّعقيد والتّشنّج ستسأم تكاليف الحياة على ذمّة الشاعر زهير بن أبى سلمة، فتبات العضلات.. عضلات الوجه متجمّدة محنّطة مبرمجة على حركات واحدة تماما كالآلة تعمل تلقائيا. هى حالة دائمة التّشنّج فلنسمها العقدة أو(التّكشيرة...التشنيكة).
متاهة أخرى.. أنت فى حفل زفاف ابنتك أو ابنك، يتطوّع أحدهم لأخذ صورة جماعيّة للذّكرى، تلقائيا تقف متجهّما راسمًا التّعقيدة إيّاها على محيّاك كأنّما أنت على وشك البكاء أو كأنّ مغصا أبديا يفتك بأمعائك أو أنّ انسدادًا فى مخرجاتك.. كافّة مخرجاتك الذّهنية والجسديّة بات مزمنًا. يطلب منك المصوّر أن تضحك، لا تتجاوب، يستحلفك بكلّ غال أن تبتسم، لن تتجاوب. لن تضبط متلبّسا بالابتسام فتفقد هيبتك، قمعوك طفلا فقالوا (كشّر عن أنيابك...الناس تهابك) يحلف المصوّر الحزين طلاقا وقد طال الوقت معه أن لا يأخذ الصورة إلّا عندما (تبتسم) لا جدوى، فعضلات وجهك تموضعت فى وضع الانغلاق، تحجّرت. يلزمها تأهيل عضلى مساجات لمائتى ساعة حتى يرتخى طرف عضلة واحدة منها. يحيط بك الأولاد والأنسباء وأولاد العمومة والخئولة والجيران والرّبع بكامل أطيافه.. لا تبتسم لن تبتسم سوف لن تبتسم. ثمّ كيف ستبتسم وكلّهم.. متجهّمون وهل يكون الضحك بالإكراه؟!