الشخص اللطيف
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 10 ديسمبر 2019 - 10:50 م
بتوقيت القاهرة
سمير سيف مخرج كفء، له أعمال سينمائية مهمة، ولكن بالإضافة إلى ذلك شخص لطيف متواضع يحسن التواصل مع الآخرين. التقيت به عدة مرات فى مناسبات عديدة، واحتفظنا بعلاقة احترام وود، سعدت بها، وكلما تحدثت معه، يترك أثرا طيبا فى النفس. رحل منذ يومين، وفى رحيله تذكرت مقومات الشخص اللطيف، الذى يحتاج إليه مجتمعنا.
أشعر فى أحيان كثيرة بأن الثقافة أو تبوء موقع تعليمى أو إعلامى أو دور سياسى أو عمل عام يرتبط بالعجرفة فى أذهان كثيرين، الاضواء تجعلهم يشعرون بحالة من تمدد الذات، والتمحور حولها، ويظنون أن التعالى على الآخرين من متطلبات الاحترام، وفرض الهيبة. ترى وتسمع قصصا وحكايات طريفة فى هذا الخصوص. ويبدو أن العلاقة بين الضحية والجلاد تستمر فى حلقة مفرغة. الأيام تدور، ومن كان فى موقع الضحية أو الاستضعاف تجده غدا مكان الجلاد إذا أتيحت له الفرصة، وكأنها أدوار متتابعة. وعادة ما يؤدى توارى الشخص عن دائرة الضوء التى كان يتمتع فيها بالهيبة والنفوذ إلى حدوث نتوءات مباشرة فى شخصيته من مظاهرها العزوف الشديد عن الحياة العملية، أو الحساسية المفرطة فى التعامل مع الآخرين، أو الاحتفاء الشديد بتجربته، والنظر بالسلب إلى كل ما عداها إلخ. للأسف أن هذه الظاهرة تجد بعض ما يبررها فى سلوك الناس فى مجتمعنا حيث إن البعض يعتبر تبسط الآخرين من ذوى المكانة فى العلاقات الاجتماعية ضعفا أو مدعاة لعدم توقيرهم، تماما مثل التلاميذ فى المدرسة قد يهابون المدرس القاسى، ولا يتجهون إلى توقير المدرس الطيب البشوش عملا بالمقولة المنسوبة إلى مكيافيللى أن الناس لا تفكر فى الإساءة إلى من تحب، ولكنها تفكر ألف مرة فى الإساءة إلى من تخاف.
لماذا لا نجد هذه الظاهرة فى المجتمعات المتقدمة ثقافة وعلما؟ الناس تظل على بساطتها، وتواضعها، ولا يعنى تقدمها فى العلم تراجعها فى العلاقات الإنسانية أو تبوءها موقعا متقدما يجتذب أضواء الشهرة حولها لا يترجم مباشرة فى التعالى على الناس. السبب فى رأيى أن المجتمع الحديث يجعل المواطنين جميعا على درجة واحدة من المساواة، لا يفرق بينهم حسب انتماءاتهم العائلية أو مواقعهم التعليمية أو مكانتهم السياسية أو العامة، ليس الاختلاف الوظيفى مدعاة إلى تحديد نوعية المعاملة التى يلقاها المرء، ويظل هناك قانون يكفل المساواة، وثقافة عامة تحدد آداب الاحترام.
المسألة ليست على هذا النحو من الانفصال، بين مجتمعنا ومجتمعات أخرى، بالتأكيد هناك شخصيات مؤثرة فى مجتمعنا تركت بصمة إنسانية فى علاقاتها بالآخرين، كانت مثالا للانفتاح والتواضع وحسن الاخلاق، لكن إلى جوارها شخصيات كثيرة مارست أشكالا كثيرة من التجبر والقهر والتعسف فى مواجهة الآخرين. ما السبب؟ إنه التكوين الأساسى للشخص فى سياق الأسرة، والمدرسة، والرفاق، يتشرب المرء القيم الأساسية، ويعيش بها فى المجتمع. من هنا لا نمل المطالبة عن دعم قيم المشاركة والتطوع والخدمة العامة لدى الأطفال فى المرحلة الابتدائية، وما يليها من مراحل تعليمية، لأن ذلك يشكل الإطار النفسى الذى يلازم الشخص فى مراحل حياته المتقدمة.
وداعا للمخرج سمير سيف، إحدى الشخصيات الجميلة المؤثرة، ونتمنى أن نرى هذا النموذج بين جوانب الحياة فى المجتمع.