كلما طال أمد الحرب تقلصت ثقة الجمهور
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الأحد 10 ديسمبر 2023 - 9:10 م
بتوقيت القاهرة
إلى جانب المعارك الصعبة فى غزة، تعمل كل مستويات القيادة فى الجيش الإسرائيلى، فى هذه الأيام، على الاستعداد لاستمرار الحرب الحالية شهورا طويلة. والإدراك السائد فى هذه الأيام فى كل رتب الجيش ــ من رئيس الأركان وصولا إلى الرتب فى الميدان ــ هو أننا بصدد سباق مختلف عن العمليات المتعددة التى خاضها الجيش الإسرائيلى فى الماضى، فى الشمال والجنوب. هذه المرة، نحن إزاء حدث من نوع مختلف. نحن فى سباق ماراثونى طويل ومتواصل، وكلُّ مَن عمل فى هذا المجال، يدرك أنه يجب أن يكون الإعداد له مختلفا: من حيث توزيع القوة، والاستعداد لبذل جهد طويل، وفى الأساس، يجب تغيير طريقة التفكير.
تغيير طريقة التفكير تظهر فى الميدان بطرق مختلفة، كما يمكن أن يلاحظه اليوم كلُّ مَن يخدم فى الجيش الإسرائيلى النظامى، وفى الاحتياط. بدءا من أشياء صغيرة، مثل نوع العتاد الذى يُزوَّد به المقاتلون، وشروط إيوائهم، وأحجام تعبئة الاحتياطيين. لكن فى الوقت الذى يستعد فيه الجيش الإسرائيلى لقتال طويل ومتواصل، يبدو أن المنظومة السياسية لا تستوعب أن هناك حاجة إلى إعداد نفسها من جديد لمواجهة الوضع.
يقول الكاتب، شلومو بيتركوفسكى، على صحيفة مكور ريشون إن الكليشيه «اصمت نحن فى حرب» الذى طبع حروب إسرائيل فى الماضى، يمكن أن يبقى ساريا مادام القتال قصيرا. يمكن تأجيل الخلافات السياسية بضعة أسابيع، بينما يعرّض الجنود أنفسهم للخطر فى الجبهة من أجلنا كلنا، لكن عندما تتحول الأيام إلى أسابيع، والأسابيع إلى أشهر، يصبح من الصعب على السياسيين ضبط أنفسهم والصمت. فالغريزة السياسية التى تميل إلى استغلال الفرصة من أجل مهاجمة الخصم، تتغلب على الإدراك أنه فى الوقت الذى تجد إسرائيل نفسها وحيدة، يجب وضع الخلافات الداخلية جانبا. ومن الصعب، ومن غير المبرر منح الحكومة حصانة طويلة فى وجه أى انتقادات معارِضة جوهرية. وعلى الرغم من أننا نتفهم عودة السياسة إلى وتيرتها الطبيعية، فإنه من الصعب أن نتجاهل الضرر المباشر الذى يتسبب به انتهاك وقف إطلاق النار الداخلى بالجهد الحربى. عندما تعلو أصداء المدافع فى الكنيست، تزداد الصعوبات على الجبهة.
أزمة الثقة الكبيرة فى الزعامة السياسية الإسرائيلية هى جزء من مشهد الحرب منذ يومها الأول. مئات الآلاف من الاحتياطيين الذين غادروا منازلهم فى السابع والثامن من أكتوبر، فعلوا ذلك، ليس بسبب ثقتهم بالزعامة، وعلى الرغم من شعورهم بالأزمة. بعضهم وصل إلى الحرب مع عدم ثقة كاملة بالزعامة السياسية للدولة، وبعد مواجهة كبيرة بشأن الإصلاح القضائى. بعضهم الآخر يعانى بشدة بعد «المذبحة المريعة» فى أيام الأعياد. أيضا الشكوك حيال القيادة الأمنية لم تبدأ من هنا، لكنها ازدادت بعدها. عدد كبير من الجمهور، وأيضا وسط الجنود، يشكك فى قدرة القيادة الحالية للجيش الإسرائيلى على تحقيق النصر.
المواجهة الكاملة مع أزمة الثقة تحتاج إلى أعوام كثيرة. ومن المتوقع أن يكون جيل «السيوف الحديدية» مختلفا، من هذه الناحية، عن جيل حرب 1973. لكن هناك ما يمكن القيام به منذ الآن من أجل التخفيف قليلا من المواجهة، والأولوية لإقامة نظام سياسى جديد. لا مفر من دخول لبيد وليبرمان إلى الحكومة، لكن ليس بالطريقة المبعثرة التى دخل فيها جانتس ورفاقه، بل يجب أن يكون دخولا كاملا يشمل إعادة توزيع للحقائب الوزارية والمواقع المؤثرة. حكومة طوارىء ــ وحدة بكل معنى الكلمة. ويجب أن يكون جانتس وزيرا للدفاع، ولبيد وزيرا للخارجية، وهذا بالتأكيد الثمن المناسب الذى يجب دفعه من أجل إعادة إعداد المنظومة السياسية لحرب عبارة عن ماراثون طويل وليس سباقا سريعا. التكاتف السياسى فى الكنيست، وفى الحكومة، يمنح المقاتلين، على الأقل، شعورا بأن وراء الأوامر التى يتلقونها، يقف شعب إسرائيل كله، وما من أحد فى الائتلاف، أو فى المعارضة، يستغلهم سياسيا.
قد يشعر كثيرون فى اليمين بالغضب عندما يقرأون هذه السطور لأن قبول هذا الاقتراح، معناه التخلى عن ثمار فوز اليمين فى الانتخابات الأخيرة. هم سيدّعون أن نظريات التنازل والانسحابات من جانب اليسار هى التى أدت بنا إلى هذه الصدمة، وسيضيفون أن تسليم إدارة الحرب لمن أوصلنا إلى الهاوية الحالية هو خطأ جسيم. لكن نظرة شجاعة ومؤلمة فى المرآة، تذكّرنا بأنه منذ سنة 2009، كان لدينا رئيس حكومة واحد طوال الوقت، هو بنيامين نتنياهو. وربما سيتذكرون أن السياسة الأمنية التى انتهجتها إسرائيل فى العقد الأخير كانت، عموما، تحت قيادة وزراء من كتلة اليمين، وأن العقيدة الأمنية هى من وضع اليمين المتشدد، وكل هذا لم يمنع التقصير المريع فى يوم السابع من أكتوبر، ولم يؤدّ إلى تغيير جذرى فى العقيدة الأمنية الأساسية للزعامة الإسرائيلية منذ أيام اتفاق أوسلو. هذا التفكير الذى يجب تغييره فى زمن الحرب هو تفكير ساذج ومنقطع عن الواقع. ما يجب القيام به ــ حتى لو كان صعبا ومعقدا ــ هو أن نمنح المواطنين والمواطنات فى الجبهة الداخلية والجنود على الجبهات، على الأقل، الشعور بأن قيادتهم تعرف كيف ترتقى إلى مستوى الحدث، ولن تواصل انشغالها بمعارك الأمس السياسية. لا تقلقوا، هذه المعارك ستنتظر بصبر، الآن، نحن بحاجة إلى الوحدة أولا.
• • •
من جانب آخر، تناولت صحيفة يديعوت أحرونوت التنازع الجارى الآن بين رئيس حكومة الحرب، بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه، يوآف جالانت. إذ فى ليلة السبت قبل الماضى، فضّل كلٌّ منهما، ولأسبابه الخاصة، التحدث إلى الشعب عبر مؤتمر صحفى منفصل. وحين تم توجيه سؤال إلى نتنياهو عن الأمر، تمتم الرجل بعبارة على غرار: «إنه [أى جالانت] حرّ فى قراراته». يبدو الأمر سيئا جدا. إن ظهورا مشتركا ومنسقا مسبقا للرجلين معا، يُعتبر مكونا من مكونات الأمن والصمود الوطنى، وهو ينبئ بالوحدة والوقوف المشترك فى وجه التحديات. لكن هذا لم يحدث.
بعد هجوم السابع من أكتوبر، طفا التوتر على السطح. يخشى نتنياهو من أن يلقى جالانت على كاهله المسئولية عن تبنّى مفهوم الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتعزيز حركة «حماس»، وهو مفهوم لا يتبناه جالانت، إذ إنه تسلم منصبه قبل أقل من عام. إلى جانب ذلك، رأى نتنياهو فى جالانت المسئول عن عدم وجود إنذار دقيق بشأن اندلاع الحرب، وهو ما أدى إلى الحدث الذى يهدد استمرار ولايته.
سيقال الكثير عن هذه الحلقة من تعكُّر العلاقات، وسيكون هناك وقت للجميع لعرض مواقفهم. لكن بما أن هذا الخلاف تحول إلى خلاف علنى، فلا يمكن اعتباره سوى مساس بأمن الدولة فى وقت الحرب. لقد شاء التاريخ، وشاء مواطنو ومواطنات إسرائيل وضع هذين الرجلين فى مناصب قيادية فى واحدة من اللحظات الأكثر حسما فى تاريخ الدولة. ولا يملك هذان الرجلان ترف الخصام فيما بينهما الآن.
إن الخصومة بين نتنياهو وجالانت، مهما كانت أسبابها، تُعتبر صفعة مهينة للجنود الذين ترسلهم الدولة للقتال. لا أعرف متى سيتم إعلان وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، فعلى ما يبدو، لن يتم عمّا قريب، لكن وقف إطلاق النار بين وزير الأمن ورئيس الحكومة هو ضرورة عاجلة. بل يمكننى القول إن إعلانه واجب فورى فى هذه الأيام.