سقوط الأسد.. العالم والشرق الأوسط على فوهة بركان!

خالد أبو بكر
خالد أبو بكر

آخر تحديث: الثلاثاء 10 ديسمبر 2024 - 7:35 م بتوقيت القاهرة

سقوط نظام بشار الأسد ليس مجرد حدث محلى فى سوريا، بل زلزال سياسى هز أركان النظام العالمى، وأعاد تشكيل توازنات القوة فى الشرق الأوسط، وفرض تحديات جديدة على العالم العربى. إنه سقوط يحمل معه احتمالات الفوضى والفراغ السياسى، مع تداعيات تتجاوز حدود سوريا إلى الساحات العالمية. وبين ملامح الخراب، تتكشف خريطة جديدة لصراعات القوة والنفوذ.

النظام العالمى: خسائر وترقب
روسيا، التى تدخلت بثقلها العسكرى فى سوريا عام 2015 لإنقاذ الأسد، تجد نفسها الآن فى موقف لا تحسد عليه. خسارة النظام تعنى اهتزاز مكانتها كقوة تحمى حلفاءها، مما قد يدفع شركاء آخرين إلى إعادة تقييم اعتمادهم على موسكو. الأهم أن قاعدتها البحرية فى طرطوس، بوابتها الوحيدة إلى البحر المتوسط، أصبحت تحت تهديد محتمل مع غياب سلطة مركزية تحمى مصالحها.
على الجانب الآخر، ترى الولايات المتحدة سقوط الأسد فرصة لتعزيز نفوذها، لكنها تواجه معضلة: كيف تدير الفراغ الناشئ دون أن تتحول سوريا إلى بؤرة إرهابية جديدة؟ واشنطن تسير على حبل مشدود بين الانسحاب التدريجى والحفاظ على وجودها العسكرى لمواجهة النفوذ الإيرانى والجماعات المتشددة.
أما الصين، القوة الصاعدة، فقد وجدت فى الفوضى فرصة لإعادة صياغة دورها كلاعب اقتصادى. مشاريع إعادة الإعمار قد تُدخلها بقوة إلى الساحة السورية، لتصبح حليفا اقتصاديا يسعى إلى كسب النفوذ دون الدخول فى مستنقع الصراعات العسكرية.
الاتحاد الأوروبى: رغم أن أزمة اللاجئين شكلت ضغطا هائلا على القارة الأوروبية، إلا أن الاتحاد الأوروبى فشل فى صياغة موقف سياسى موحد تجاه سوريا. بقيت استجابته للأزمة إنسانية بالأساس، لكنها غابت عن التأثير فى المشهد السياسى. مع سقوط الأسد، يجد الاتحاد الأوروبى نفسه أمام تحدٍ جديد: هل يستطيع التحرك كلاعب رئيسى فى إعادة الإعمار واستقرار المنطقة؟ أم سيبقى رهينة أزماته الداخلية من «البريكست» إلى تصاعد التيارات الشعبوية؟ الإجابة ستحدد ما إذا كان قادرا على استعادة دوره كلاعب دولى، أو سيظل عالقًا فى دور المتفرج.

• • •
الشرق الأوسط: خرائط جديدة
إيران: سقوط الأسد يمثل صفعة قاسية لإيران، التى استخدمت دمشق كجسر استراتيجى يربطها بحزب الله فى لبنان. انهيار هذا الجسر يعنى تقويض مشروع «الهلال الشيعى» الذى سعت إليه طهران لسنوات. التوغل الإسرائيلى فى الجولان يغلق المجال أمام أى إعادة تموضع إيرانى جنوب سوريا، بينما تتعرض خطوط الإمداد إلى لبنان لضغوط هائلة.
ومع ذلك، لن تستسلم إيران بسهولة. من المرجح أن تصعّد فى العراق واليمن لتعويض خسارتها، لكن تلك المحاولات قد تضعف أكثر فى ظل استنزاف مواردها بفعل العقوبات والانقسامات الداخلية.
تركيا: تبدو أنقرة أكبر المستفيدين من سقوط الأسد. ترى تركيا فى الفراغ السورى فرصة لتوسيع نفوذها شمال سوريا، وضرب أى طموحات كردية للحكم الذاتى. التدخل التركى يعكس طموحا طويل الأمد لإعادة ترتيب خريطة المنطقة بما يتناسب مع مصالحها. ومع ذلك، تواجه أنقرة تحديات من القوى الدولية التى تحاول الحد من نفوذها، وسط تصاعد الانتقادات لدورها فى تعقيد المشهد الإنسانى والسياسى.
إسرائيل: لم تفوّت فرصة الفوضى. توغلها فى الجولان لا يهدف فقط إلى تأمين حدودها، بل لإعادة رسم خطوط المواجهة مع إيران وحزب الله. السيطرة على مناطق استراتيجية مثل جبل الشيخ تعطى تل أبيب أفضلية فى أى صراع مستقبلي. ومع غياب رد فعل دولى قوي، يبدو أن إسرائيل تعيد صياغة قواعد اللعبة بما يخدم مصالحها طويلة الأمد.
• • •

العالم العربي: مفترق طرق
الدول العربية، التى شهدت انقساما حادًا حول الموقف من الأسد، تجد نفسها اليوم أمام مشهد جديد يحمل فرصًا وتحديات. سقوط الأسد يمكن أن يعتبر انتصارا للدول التى عارضته، لكن الفراغ الذى خلفه النظام يثير مخاوف من أن تتحول سوريا إلى ساحة جديدة للصراعات الطائفية والإقليمية.
إعادة إعمار سوريا تطرح سؤالًا جوهريًا: هل ستتحرك الدول العربية لإعادة سوريا إلى حضنها، أم أن الصراعات الإقليمية ستمنع أى جهود مشتركة؟ الدول المجاورة مثل الأردن ولبنان تواجه تداعيات مباشرة. اللاجئون السوريون الذين وجدوا مأوى فى هذه الدول قد يشكلون أزمة جديدة إذا ما تفاقمت الأوضاع داخل سوريا. كما أن تصاعد النفوذ التركى فى سوريا يثير قلق القوى الكبرى فى العالم العربي، التى حتما سترى أن مفاتيح القرار فى دمشق انتقلت من اللاعب الإقليمى الإيرانى إلى اللاعب الإقليمى التركى، و«كأنك يا أبو زيد ما غزيت».
داخليًا، تبدو سوريا كأنها تتجه نحو التقسيم أكثر من الوحدة. الفصائل المسلحة، التى توحدت لإسقاط النظام، تعانى من الانقسامات الأيديولوجية والصراعات على السلطة. الأقليات، مثل العلويين والمسيحيين، تواجه خطر الانتقام، بينما الكرد يقفون أمام تهديد مزدوج من تركيا والجماعات المتشددة.
إعادة الإعمار ليست مجرد تحدٍ مادي، بل اختبار لإمكانية بناء دولة تتجاوز الانقسامات الطائفية والسياسية. ومع ذلك، فى ظل الظروف الحالية، يبدو تحقيق هذا الهدف بعيد المنال.

• • •
ختامًا: هل يمكن إطفاء البركان؟
سقوط الأسد ليس نهاية للأزمة، بل بداية لمرحلة جديدة من التحديات. النظام العالمى، القوى الإقليمية، والدول العربية أمام اختبار حقيقى: هل يمكن تحويل هذا السقوط إلى فرصة لإعادة بناء سوريا على أسس العدالة والمواطنة؟ أم أن البركان سيظل مشتعلاً، ليبتلع ما تبقى من استقرار فى المنطقة؟
وسط هذا الخراب، يبقى الشعب السورى هو الضحية الأكبر. الأمل الوحيد يكمن فى قدرة السوريين على تجاوز خلافاتهم، لكتابة فصل جديد من تاريخ وطنهم، يُنهى عقودًا من الطغيان والفوضى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved