الثورة تكتمل بتولى الحكم

سمير كرم
سمير كرم

آخر تحديث: الأربعاء 11 يناير 2012 - 9:15 ص بتوقيت القاهرة

السؤال الاكبر والاكثر اهمية فى هذه الايام الصعبة هو: كيف يمكن ان تستولى الثورة على السلطة؟ أو هو ــ بتعبير أكثر قبولا ــ كيف يمكن للثورة ان تتولى الحكم كما يتم فى الثورات المظفرة الناجحة عندما تقضى على النظام القديم؟

 

كل الاسئلة الاخرى تقع تحت هذا السؤال، وكل الاسئلة الاخرى تتوقف اجاباتها على إجابة هذا السؤال.

 

بطبيعة الحال فإن الوضع يكون أوضح والسؤال يكون أيسر على الإجابة حينما تنقلب الثورة على نظام ملكى لتقيم نظاما جديدا جمهوريا. هكذا كان الحال فى ثورة 23 يوليو عام 1952، بل هكذا كان الوضع فى الثورة الفرنسية وبعد ذلك فى كل الثورات الكبرى بما فيها الثورة البلشفية فى عام 1917 والثورة الصينية وكذلك الثورة الإيرانية. والوضع كان اوضح فى الثورة الأمريكية التى كانت ثورة على النظام الملكى البريطانى وثورة فى الوقت نفسه على الاحتلال الإنجليزى من اجل استقلال أمريكا وتحقيق الحكم الجمهورى.

 

انما الحال اعقد واصعب حينما تكون الثورة على نظام جمهورى من أجل نظام جمهورى أيضا انما بعد التخلص من الفساد والاستبداد.

 

ويزداد الامر تعقيدا وصعوبة حينما تسلم الثورة نفسها للقوة الاهم والاقدر فى النظام القديم. وقد حدث هذا على وجه التحديد حينما قرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة ألا يضع نفسه فى موقف صدام مباشر مع الثورة المدنية السلمية رافضا ان يتدخل بالقوة المسلحة ضد الثورة بناء على امر أو طلب من رئيس النظام المستهدف. وازداد امر الثورة تعقيدا بسبب عدم وجود قيادة متميزة لها تتخذ القرارات الآنية وتملى إرادة الجماهير على قوى النظام القديم. وأدى هذا إلى تسليم الثورة ومسئولياتها إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليتخذ القرارات التى يراها ملائمة للثورة وملائمة للظروف الآنية كما يراها من موقعه.

 

فى سيناريو آخر للثورة المصرية كان من الممكن ان تشمل طلبات الثورة من بداياتها الأولى ــ وإلى جانب تنحية رئيس الجمهورية واركانه والحكومة واركانها ــ تنحية المجلس الأعلى للقوات المسلحة باعتباره جزءا لا ينفصل من النظام القديم. النظام القديم هو الذى عينه والنظام القديم هو الذى كان يلجأ اليه قبل اتخاذ القرارات المهمة فى الساعات الحاسمة. ولا نستطيع ان ننسى ان رئاسة المجلس الأعلى كانت تجلس مع (الرئيس) مبارك تستطلع من شاشات التليفزيون ما كان يجرى فى ميدان التحرير فى الأيام الأولى للثورة. غير ان السيناريو الذى وقع بالفعل لم يشمل المجلس الأعلى لانه وجد ان الفرصة التى لم تبد ممكنة قبل ذلك بايام قد سنحت لازالة احتمال توريث الوريث الأوحد جمال مبارك السلطة. فبدون الثورة كان اسقاط هذا المشروع يبدو اقرب للاستحالة من وجهة نظر المجلس الأعلى. فما كان بامكان المجلس الأعلى فى ظروف ما قبل الثورة ان يعارض «الرئيس» فى شأن بدا وقتها بالغ الأهمية له وبالغ الخطورة للمجلس.

 

●●●

 

هل كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة مستعدا لتسلم السلطة، أى الاستيلاء على الحكم؟ نعم بعد الثورة وليس قبلها. وتأتى بعد ذلك كل التفصيلات بشأن ما كان المجلس مستعدا له وما لم يكن.

 

أمام أعين المجلس جرت التطورات سريعة من جانب الثورة ومن جانب النظام القديم وكانت وجهة هذه التطورات تفرض سلطة هذا المجلس أكثر مما تفرض سلطة الثورة. وبدا واضحا ان المجلس الأعلى لم يكن مستعدا لقبول كل مطالب الثورة حتى حينما كانت الثورة لا تزال فى اوج قوتها. لم يكن مستعدا لمطلب إلغاء حالة الطوارىء. ولم يكن مستعدا لإلغاء محاكمات المدنيين أمام القضاء العسكرى. وعندما بدا ان الثورة تريد نظاما للعدالة الاجتماعية لايجاد توازن اجتماعى فى مصر يحل محل الاختلال الذى إقامه وقواه النظام القديم بدا بوضوح ان هذا المطلب لا يدخل ضمن قناعات المجلس الأعلى.

 

ودلت كل القرارات التالية من المجلس وكذلك بياناته على ان المجلس غير مستعد لتغيير مسار السياسة الخارجية المصرية، لا فى اطرها الضيقة المتصلة بالعلاقات القومية والإقليمية لمصر، ولا فى اطرها الواسعة المتصلة بالعلاقات الدولية، وخاصة العلاقات مع إسرائيل والعلاقات مع الولايات المتحدة. وقد ازداد وضوح هذه الجوانب مع الوقت. الشهور تمر والتحدى الاسرائيلى لمصر ومصالحها ومبادئها بقى تماما كما كان فى زمن النظام القديم. الشهور تمضى واهتمامات الولايات المتحدة بعلاقات لا تختلف عما كانت عليه بين الولايات المتحدة ومصر فى ظل النظام القديم. واتضح بما لا يدع مجالا للشك ان الولايات المتحدة تضع اسرائيل وموقعها وطموحاتها فى المنطقة ــ تحت مسمى امن اسرائيل ــ شرطا اساسيا لاستمرار العلاقات مع مصر فى بنودها الجوهرية، من العلاقات بين المؤسسة العسكرية المصرية والمؤسسة العسكرية الأمريكية، المعونات الاقتصادية الأمريكية لمصر (التى بدأت فور توقيع مصر على معاهدة واتفاقات كامب ديفيد). حتى علاقات مصر بايران بقيت على حالها الذى كانت عليه فى عهد النظام القديم إرضاء للولايات المتحدة وإسرائيل.

 

كذلك بقى حال نظام الاستثمارات والخصخصة على ما هو عليه ارضاء للولايات المتحدة التى كانت ترقب تأثيرات الثورة المصرية على مصالحها الاقتصادية فى مصر. ولا يخفى ان مواقف مصر من «ثورات الربيع العربى» ظلت فى اطار الاتفاق مع مواقف الولايات المتحدة منها. وعندما بدا ان أول انتخابات ديمقراطية فى مصر تعطى النتائج ذاتها التى تعطيها صراعات الثورات العربية (تونس وليبيا واليمن وسوريا) بدا هذا مصدر ارتياح للمجلس الأعلى، اذ اتضح انه لا يتعارض بل يلتقى مع التقارب بين جماعة الإخوان المسلمين والولايات المتحدة.

 

مع كل هذه التطورات كان نصيب الثورة من السلطة يتراجع ونصيب المجلس الأعلى يتقدم ويتسع. بل الاحرى ان نقول ان الثورة نفسها كانت تتراجع، وان بدا دائما أنها قادرة على العودة إلى الميدان بكل قوتها وكثافتها. ولعلنا نتذكر هنا قول أحد أهم المفكرين الثوريين فى القرن العشرين «ان اسوأ وهم يمكن ان تعانى منه الثورة فى نضالها من أجل التغيير هو الاتكال على الآخرين». وفى حالة الثورة المصرية كان هؤلاء الآخرون هم المجلس الأعلى للقوات المسلحة. ولقد عمل المجلس طوال الشهور الماضية منذ تراجع الثورة عن مظاهراتها الكثيفة ــ بكل ما فى وسعه ــ لزيادة اعتماد الثورة عليه. وكان معنى هذا تراجع الثورة عن مطالبها، بل استسلامها لخطوات لا توافق عليها الثورة بأى حال. ومنها اختيار كمال الجنزورى رئيسا لحكومة انقاذ وطنى وصفها هو نفسه بعد ذلك بان هدفها الاول انقاذ الثورة. ولم يكن يمكن للجنزورى ان يعنى بهذا الا انقاذ الثورة من مطالبها الاساسية (...)

 

●●●

 

واذا بدا الآن، فى ظل الصدام القائم محل الثورة فى الميدان، ان ما نراه فى مصر الآن هو ثورة بلا ثوريين فهذا لا يعنى الا اننا نرى ثورة بلا حكم، بلا سلطة.

 

ويعيدنا هذا إلى السؤال الذى بدأنا به وهو: كيف تستولى الثورة على السلطة أو كيف تتولى الثورة الحكم؟

إن تمادى الثورة المضادة فى دورها كاف بحد ذاته لإعادة الثورة إلى مكانها فى الشارع. وستحاول الثورة المضادة دائما ان تبرهن على ان الثورة جاءت فى غير أوانها. هذه طريقتها فى البرهنة على ان النظام القديم هو افضل سيناريو ممكن.

 

لهذا يصبح من الحتمى ان تؤدى الثورة أقوى ادوارها للبرهنة على انها جاءت فى وقتها، وانها قادرة على تحقيق مطالبها، وانها قادرة على تحمل مسئوليات الحكم.

 

ويبدأ هذا الدور باختيار المجلس الأعلى العودة إلى دوره الاصلى وترك عجلة الديمقراطية تسير فى طريقها إلى تحقيق أهداف الثورة ومواجهة التحديات التى تنتظرها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved