نواب من جهة أمنية
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 11 يناير 2016 - 11:15 م
بتوقيت القاهرة
بعد انتظار طويل، حصلنا على مجلس النواب الذى نستحقه بالضبط، بدون زيادة ولا نقصان، حيث جاءت جلسته الإجرائية أمس الأول لتؤكد أننا على أعتاب برلمان يحفل بكل المتناقضات فى خلطة سياسية فريدة من نوعها، تجمع بين أقلية من النواب الذين ينتمون فعلا إلى قيم ثورة يناير، فى مواجهة ما يبدو أنه غالبية من نواب الثورة المضادة، مع نواب كل العصور، ونواب ديماجوجيين يعرفون جيدا كيف يخدعون الناخبين البسطاء فى موسم الانتخابات ليسرقوا أصواتهم بوعود مضروبة، وآخرون غامضون لا يعرف أحد عنهم مواقف سياسية محددة وواضحة بعد أن حملتهم إلى قاعة البرلمان خدماتهم إلى أبناء دوائرهم، مع نواب قادمين من جهات أمنية يريدون أن يسيطروا على إيقاع البرلمان ويوجهونه للجهة التى تريدها أجهزتهم.
برلماننا الجديد هو صورة حقيقية لمستوى ثقافتنا السياسية من جهة، وموازين القوة بين أحزابنا وقوانا السياسية من جهة أخرى، ومع ذلك فإنه من المستحيل ان يظل البرلمان أسيرا لهذه المعادلة الجامدة، وإلا فإنه سيكون كمن يحفر قبره بيده، ويحكم على نفسه بالسقوط أمام مطالب جماهيرية تبدو جامحة، رغم أنها غير منظمة، بتحقيق أهداف ثورة يناير فى الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية.
البرلمان الجديد لن تحكمه صيغة «حزب الحكومة» كما يخطط نواب الجهات الأمنية لتكوين أغلبية برلمانية تؤيد الحكومة، بنفس عقلية وآليات الحزب الوطنى فى عهد مبارك، وحتى لو أرادوا ابتكار صياغات جديدة لاستنساخ نموذج مبارك فى الحكم، فإنهم لن يستطيعوا أبدا الوصول إليها، ليس فقط لضعف وهزال قدراتهم السياسية، ولكن لأن هناك جيلا جديدا من النواب لم يتربَ سياسيا فى أروقة الحزب الواحد، كما كان الأمر فى عهد عبدالناصر أو اجهزة الأمن فى عهدى السادات ومبارك، وفى ظل مناخ شعبى مشحون بالغضب من تردى الأوضاع الاقتصادية، ومن اغلاق مستمر للمجال العام ولحريات التظاهر والاضراب والتعبير، ويضع أملا ولو ضعيفا على البرلمان ليضع حلولا لأزماته المتفاقمة!
وبغض النظر عن المواقف الكوميدية التى ننتظر مشاهدتها من بعض النواب المشهورين بالسذاجة السياسية، فإن تأثيرهم لن يكون كبيرا على عمل البرلمان، خاصة وان اداء الدكتور على عبدالعال رئيس البرلمان كان ناضجا ومقنعا للرأى العام خلال إدارته لجلسة انتخاب وكيلى المجلس، ويبشر بأنه سيكون ناجحا خاصة بعد تأكيده على أنه ينتمى لثورتى يناير ويونيو، وهو ما يضع على عاتقه مسئوليات كبيرة للتصدى لنواب الثورة المضادة الذين ينتمى بعضهم للائتلاف الذى ترشح هو نفسه على قوائمه.
نحن أمام برلمان يمكنه أن يتقدم بأوضاعنا السياسية خطوة إلى الأمام، كما يمكنه أن يغرقنا فى بحور من الفوضى، نحن معه نراهن على المجهول، وعلى وعى النواب المستقلين الذين يواجهون مخططات نواب الجهات الأمنية، ليكون البرلمان مجرد ديكور ديمقراطى بلا أنياب ولا أظافر، والمؤكد ان الجلسات القادمة سوف تكشف لنا الاتجاه الذى يسير فيه البرلمان، وهل سيكون مجرد تابعا للسلطة التنفيذية أم صوتا للشعب معبرا عن أحلامه فى السعى لبناء نظام سياسى جديد، خاصة وأن قطعان الذئاب من جماعة الإخوان والآكلين على موائدهم، يراهنون على ما قد يفعله هؤلاء النواب من «ممارسات سياسية»، يمكنها أن تسقط البرلمان والبلد كله فى الوحل!