الحاج سليمانى.. ورقة إيران الرابحة حيا وميتا
محمد سعد عبدالحفيظ
آخر تحديث:
السبت 11 يناير 2020 - 9:25 م
بتوقيت القاهرة
يحسب لقائد فيلق القدس بالحرس الثورى الإيرانى المغدور قاسم سليمانى، دعمه بالمال والسلاح لعدد من حركات المقاومة فى غزة، فالحاج قاسم «كان صاحب بصمة حاضرة فى كل ما يتعلق بالمقاومة»، بتعبير الأمين العام لحركة الجهاد الفلسطينى زياد النخالة الذى أشار خلال زيارته لمنزل سليمانى لتقديم واجب العزاء إلى إن غزة ومقاومتها كانت تستفيد من دعم الفقيد وتأييده.
حقق الدعم الإيرانى لحركات المقاومة فى غزة قدرا من التوزان مع الكيان الصهيونى، فالصواريخ التى أمد بها الحاج قاسم المقاومة تمكنت من الوصول إلى قلب إسرائيل، وهو ما جعل تل أبيب تدرك أن أى هجوم على القطاع سيقابل برد مكلف بحسابات المجتمع الإسرائيلى.
ويحسب للرجل أيضا دوره فى مواجهة تنظيم داعش فى العراق ثم سوريا، وإن كان البعض يحمله مسئولية زرع التنظيم الإرهابى، «لولا إجرام رئيس الوزراء العراقى الأسبق نورى المالكى الموالى لإيران فى حق الطائفة السنية لما تمكن داعش من التمدد فى شمال وغرب العراق وإقامة دولة هددت استقرار المنطقة فى مرحلة من المراحل».
مع ذلك يظل سليمانى الذراع الإيرانية التى تلاعبت وعبثت داخل حدود عدد من البلاد العربية، لتحقيق أطماع دولة الملالى وتصدير الأزمات للحكومات والشعوب، وكما كان الرجل صاحب أيادٍ بيضاء على المقاومة الفلسطينية، كان صاحب أيادٍ سوداء على شعوب العراق وسوريا واليمن ولبنان، «إيران مستمرة بفتح بلدان المنطقة والجمهورية الإسلامية بدأت بسيطرتها على كل من أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين وإنها تتقدم اليوم فى نفوذها فى بقية بلدان المنطقة»، قالها قبل شهور خليفة سلمانى فى قيادة فيلق القدس اللواء اسماعيل قائانى معلنا هيمنة إيران على دول المنطقة.
حيا مكن سليمانى طهران من فرض نفوذها على دول الجوار، وهو هدف استراتيجى لنظام الثورة الإسلامية الذى سعى منذ ثمانينيات القرن الماضى إلى تصدير ثورته وأفكاره إلى المحيط العربى، دعم الرجل أهداف أمريكا وإسرائيل وحقق لهما ما لم تستطيعا تحقيقه بالدخول فى مواجهات مباشرة، ساعد فى تفكيك العراق وحولها عمليا إلى ولاية إيرانية، وأجهض الثورة السلمية ضد حكم الأسد فى سوريا، وأفشل الحراك اليمنى وحوله إلى حرب أهلية، وجعل من حزب الله سلاحا إيرانيا موجها إلى الداخل اللبنانى بعد أن كان رأس حربه فى الصراع مع تل أبيب.
ميتا عزز سليمانى مكاسب نظام ولاية الفقيه الذى وظف فاجعته فى محو آثار احتجاجات الشعب الإيرانى الذى نزل إلى الشوارع قبل أسابيع مطالبا بتحسين الأوضاع الاقتصادية، وهى الاحتجاجات التى واجهتها السلطة بالقمع والقتل والاعتقالات.
استغل نظام إيران جنازة سليمانى لاستعادة روح الثورة الإيرانية وتعبئة المشاعر الوطنية ضد «القوى الإمبريالية التى اغتالت رمزا من رموز الدولة»، وهو ما سيمكنه من كتم أى مشاعر غضب، بعد أن أُعتبرت الحشود الهائلة التى خرجت لتشييع فقيد الثورة الإيرانية بمثابة بيعة جديدة لنظام خامنئى.
ساعد اغتيال قائد فيلق القدس على «تعزيز جبهة المقاومة الداخلية وتنمية مشاعر الكره والبغضاء لسياسات الولايات المتحدة»، وفق النائب الإيرانى البارز حشمت الله فلاحت بيشه، الذى أشار فى تصريحات صحفية إلى أن «دماء سليمانى بدأت تعطى ثمارها بزيادة عوامل القوة الإيرانية خارج الحدود، فى حين انعكست على الجانب الأمريكى سلبا».
وما ينطبق على إيران ينطبق على كل من العراق ولبنان اللذين اندلعت فى كل منهما احتجاجات تطالب بالحرية وترفض الوصاية الإيرانية وتصف سيطرة طهران على إرادتها بالاحتلال كما فى الحالة العراقية. ارتدادات عملية الاغتيال ستعمل ليس فقط على إنهاء الحراك بل ستعطى المبرر لأذرع إيران فى العراق ولبنان لقمع تلك الاحتجاجات بعنف إذا عاد أصحابها للشوراع مرة أخرى.
أضفى الحادث على الميليشيا المحسوبة على إيران فى العراق وعلى رأسها الحشد الشعبى شرعية الوجود والمقاومة بعد اغتيال مرشدها الروحى ونائب قائدها أبومهدى المهندس، وبهذا ستظل العراق على الأقل فى المدى القريب خاضعة للنفوذ الإيرانى دون أى معارضة أو مقاومة.
بدا من تصريحات طرفى الأزمة (واشنطن وطهران) بعد عملية الرد الإيرانية المحسوبة أو المتفق عليها على اغتيال سليمانى، أن ثمة رغبة فى العودة إلى التفاوض مرة أخرى، حينها ستكون إيران حققت من اغتيال قائدها العسكرى مكاسب سياسية قد تنشلها من أزمتها الداخلية ما لم تكن تتحقق بوجوده. هكذا أصبح الحاج قاسم، ورقة إيران الرابحة حيا وميتا.