من أعراض النظام السياسى الفاشل

ياسمين فاروق
ياسمين فاروق

آخر تحديث: الجمعة 11 فبراير 2011 - 10:41 ص بتوقيت القاهرة

 (١) المعرفة السياسية

إن المجتمع المدنى والثقافة السياسية لهما من أهم سمات النظام السياسى الصحى فالمجتمع المدنى والنظام السياسى مسئولان عن تعلم الشعب كيفية التعبير عن اختلافاته السياسية وتقبل تعدد الآراء بل وتضادها. وبالطبع فإن مثل هذا التعلم يمكن أن يتم من خلال المؤسسات التعليمية والإعلام أيضا. فكل هذه الجهات تشكل الثقافة السياسية للمجتمع وتشرع وتوجه المواطنين إلى استيعاب الحد الفاصل بين التضاد الفكرى والعداء الشخصى.

وللأسف الشديد فإن الأزمة الحالية فى مصر أظهرت وأثبتت كيف عمل النظام على تدمير جميع دعائم المعرفة السياسية لدى الشعب بل ولدى المتعلمين منه من حملة الشهادات الجامعية فى مختلف التخصصات.

فقد أظهر السجال الدائر فى مصر بين معارضى ومؤيدى المظاهرات بجلاء كيف يتحول التعبير عن الرأى إلى «ردع» وعداء شخصى حتى بين أقرب الأصدقاء. فالمصريون يعانون فى هذا المجال نقصا مثلهم فى ذلك مثل باقى المجتمعات التى عانت من فترات طويلة من القمع السياسى وسيادة الرأى الواحد. فأحسن شعب أصبح يجد صعوبة فى تقبل تعبير الآخر عن رأيه بصراحة وعلنا خاصة أن كل فريق يجد أصداء لرأيه على الأرض، أى أنه بعد عقود من النقاشات العقيمة واللامبالاة السياسية فجأة تمخضت هذه النقاشات عن أفعال على الأرض تزايدت حدتها يوما بعد يوم. والمشكلة الكبرى هى أن معظم الأعضاء فى كلا الفريقين هم من حديثى العهد بالسياسة والكثير منهم لم يكونوا حتى من قارئى التحليلات السياسية ولا يجدون دعائم موضوعية أو قانونية أو موثقة لما يقولون. فالقابعون فى ميدان التحرير ــ الذين أساندهم قلبا وقالبا ــ لا يستطيعون فى معظمه أن يفسروا ماذا يعنون «بالنظام السياسى». وإنما كل ما يعلمون أنهم سئموا سيطرة الأمن على حياتهم وبلطجة البوليس بمختلف الرتب والفساد والرشاوى واتساع الهوة بين العلاقات الاجتماعية. ولكنهم لا يعرفون أكثر من ذلك حتى إن كانت طلباتهم مشروعة. أما من يطالبون بإنهاء المظاهرات فمنهم من يتذرع بالرغبة فى عودة الفلوس إلى الـATM وحرية الخروج والسفر وقتما يشاءون والقضاء على الإحساس بالخوف الذى تسبب فيه هروب السجناء والبلطجية ومنهم من يدفع برغبته بوقف الاقتتال بين المصريين وبعضهم البعض ومنهم من يقول «وفيها ايه 6 أشهر كمان»؟ ومنهم من يردد خطاب والنظام المنمق والذى يبدو ذا فحوى فى ظاهره عن وجود «أجندات خارجية» وعملاء لأمريكا وإسرائيل، يقفون وراء هذه التظاهرات. ومنهم من ذهبوا أبعد من ذلك فى محاولة تكرار ما خرج علينا به جراحو القانون المنتمون للنظام حينما قالوا إننا محتاجون إلى بقاء الرئيس لأن الدستور لا يسمح لأحد غيره بحل البرلمان وتعديل الدستور، وظل هذا النظام يقدس «الشرعية الدستورية» خلال عقود حكمه.

ليس المهم هنا أن ندحض مبررات أى من المعسكرين. ولكن الدرس المستفاد هو اضمحلال مستوى التعليم والمعلومات والثقافة والتعبير السياسى لدى المصريين. ولا يجب أن أنسى هنا أن المعارضة السياسية ساهمت فى هذا الاضمحلال حينما تدنى مستوى التعبير عن المعارضة وتم اختزال المعارضة السياسية فى الكثير من الأحيان إلى فضح إجازات الوزراء فى مارينا وأوروبا بدلا من تكوين ملفات ومستندات على أسس علمية عن سياسات الحكومات المصرية المتعاقبة فى المجالات المختلفة. وبالطبع فإن ذلك لا يشكل كل الفاعلين فى المعارضة المصرية لكن معظمهم. وهذا ينقلنى إلى الجزء الثانى من هذا المقال

(٢) فقدان المصداقية

يعرف كل العالم الآن أن الشباب والآخرين ممن بدأوا الانتفاضة الحالية ضد نظام الرئيس مبارك لم يعتمدوا على أى حزب سياسى من أحزاب المعارضة. وذلك ببساطة، لأن هذه الأحزاب بل والمستقلين فقدوا مصداقيتهم لدى الشارع المصرى تماما، مثلما فقدها النظام وبالطبع فإن مساندة الأحزاب لهذه الحركة اكسبتها زخما ولكن ذلك لا ينفى أنه نوع من أنواع ركوب الموجة أو Fnee riding استغلت فيه هذه الأحزاب نجاح حركة الشباب دون أن يساهموا فيها. فأنا لا أفهم من أو كم ممن هم فى ميدان التحرير فوض هذه الأحزاب لكى تتفاوض عنهم مع النظام؟ ولا أتحدث فقط عن الأحزاب ولكن أيضا «عن المستقلين من المعارضين السياسيين».

فقادة أحزاب المعارضة تتم استضافتهم فى البرامج لكى يتحدثوا باسم هؤلاء الشباب ويبرروا ويفسروا مطالبهم. بأى وجه حق؟ وكيف تخيل النظام أنه يستطيع أن يقنع الصامدين فى التحرير بالخروج منه من خلال إبرام صفقة للمرة المليون مع نفس أحزاب المعارضة التى سبق أن أبرم معها صفقات عدة بل وتوطأت معه هى وبعض الأحزاب المستقلة لكى تقنع الشعب والعالم بقبول نتائج الانتخابات فى بعض الأحيان؟ فكم من سكان ميدان التحرير الجدد أعضاء فى هذه الأحزاب؟ وكم منهم ينتخبون من ضمنهم أعضاء فى البرلمان؟

خلاصة القول، إن نظام مبارك فقد مصداقيته مثلما فقدتها أحزاب المعارضة وأصبح الحوار بينهم عقيما، لأنه لا يمكن أن يولد نتائج على الأرض فى ميدان التحرير. وإن قبل هؤلاء أن يتفاوض أحد باسمهم فهم يحتاجون إلى وجوه جديدة فى المعارضة أو المستقلين (مثل لجنة الحكماء) وفى النظام (مثل السيد عمر سليمان والسيد أحمد شفيق). كما أنهم يحتاجون إلى ضمانات وتعهدات لا يمكن الرجوع فيها.

ولعل فقدان المصداقية هو أكبر درس مستفاد من هذه الانتفاضة. فهو اليوم مربط الفرس. فإن النظام المصرى يجد دائما ما يغذى به ادعاءاته بالشرعية مثل إنجازات الرئيس العسكرية و«الحرية» السياسية النسبية والأمن و«الأمان» ولكنه اليوم يعجز أن يجد أى أساس لتدعيم مصداقيته فى الشارع المصرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved