التعديل الدستورى المرتقب
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الإثنين 11 فبراير 2019 - 10:45 م
بتوقيت القاهرة
بعد أسابيع من الترقب والاستعداد و«جس النبض»، انطلق قطار التعديلات الدستورية من مجلس النواب مقترحا التغيير فى مدة رئاسة الجمهورية، ومعه اعادة العمل بمجلس الشورى، وزيادة التمثيل النيابى للمرأة، وتنظيم اختيار رؤساء الهيئات القضائية، وجواز تعيين نائب للرئيس، وهذا كله بحسب المنشور اعلاميا وإن كانت الصورة لن تتضح إلا بعد إقرار التعديلات من البرلمان بشكل نهائى.
الانطباع السائد فى البلد أن قطار التعديلات سيصل محطته المنشودة ولن يؤثر فى مساره اعتراض بعض الأحزاب قليلة الحيلة، أو تحفظ عدد من الكتاب والمعلقين، أو انشغال صفحات التواصل الاجتماعى بـ«هاشتاج» أو أكثر. مع ذلك فإن أهمية الموضوع تجعل من الواجب على كل من لديه مساحة للتعبير عن الرأى أن يشارك فى الحوار الحالى لأن السكوت أو الغموض ليسا مقبولين. ومن هذا المنطلق فأعرض هنا أسباب اعتراضى على التعديل المقترح.
بداية فإننى لست ضد مبدأ تعديل الدستور ولو بعد سنوات قليلة من إقراره لأنه ليس نصا مقدسا بل يجب أن يتطور مع تغير الواقع والاحتياجات. كذلك فإننى غير مقتنع بحظر تعديل مواد معينة منه، ولو كانت تنص على عدم جواز المساس بها مثلما هى الحال مع المادة التى تحدد مدة الرئاسة، لأن إرادة الشعب فى لحظة بعينها لا يجوز تقييدها بتعبير سابق عن هذه الإرادة والا كان لجيل معين من المصريين القدرة على فرض وصايته على الأجيال اللاحقة وهذا أمر غير طبيعى ولا منطقى.
ولكن من جهة أخرى فان الدستور ليس نصا تشريعيا عاديا يمكن الاكتفاء بإخضاعه للمعايير القانونية الفنية، بل هو النص الأسمى فى البناء المؤسسى للدولة، وفِى حماية حقوق المواطنين، وفى إقامة التوازن بين سلطاتها الرئيسية، وبالتالى فإن تعديله يجب أن يخضع لاعتبارى المشروعية القانونية والسياسية معا، وأن يعبر عن توافق واسع فى المجتمع، وأن يستجيب لضرورة ملحة، وهى اعتبارات لا أراها متوافرة فى مصر فى الوقت الحالى للأسباب الآتية.
السبب الأول أنه مهما اقترح البرلمان من مواد وتعديلات تتعلق بتمثيل المرأة والمسيحيين أو بإعادة العمل بمجلس الشورى أو بغير ذلك من المقترحات الإيجابية فإن الرأى العام لن يرى وراء كل هذا سوى موضوع واحد مقصود بالتعديل وهو زيادة مدة رئاسة الجمهورية.
السبب الثانى أنه بعد كل ما مر به البلد من ثورات وفتن وعنف خلال السنوات الماضية، ومع كل الخلافات العميقة والانقسامات التى تعرض لها المجتمع، فإن فكرة التداول السلمى والمؤسسى للسلطة لا تزال تمثل لدى الناس المكسب الأكبر الذى تحقق مع نهاية الحقبة المباركية التى امتدت ثلاثين عاما وكان يمكن أن تمتد أكثر لولا نزول الشعب للشوارع والميادين. ولهذا فإن قطاعا واسعا فى المجتمع وخاصة بين الشباب يرى تعديل القيد الدستورى على فترة الرئاسة تراجعا عن هذا المكسب.
أما السبب الثالث فإن ما يستند إليه أعضاء البرلمان المطالبون بتعديل مدة الرئاسة هو بالأساس ضرورة استكمال السياسات الراهنة حتى يجنى الشعب ثمارها. وبغض النظر عن تقييم تلك السياسات فإن الرسالة الضمنية لهذا الطرح أنه لا الحكومة ولا أجهزة الدولة التنفيذية ولا مؤسساتها لديها الإرادة أو القدرة على استكمال هذه السياسات بل تنفذها لمجرد صدور تعليمات عليا بها. وهذه رسالة ادانة شديدة تنتقص من إنجازات المرحلة أكثر مما تفيد.
وأخيرا فإن السبب الرابع هو أن تعديل الدستور، لو كان مطروحا فى ظل مناخ يسوده العدل والحرية، لربما كان اعتُبر تطورا طبيعيا واستجابة مقبولة لتغيرات المرحلة. ولكن أكثر ما يثير تحفظ الشارع وخاصة الشباب على التعديل المطروح فى الوقت الحالى هو أن يأتى فى ظل التضييق على النشاط السياسى والاعلامى والاهلى وعلى حرية التعبير بينما الدستور فى النهاية عقد اجتماعى يستهدف تنظيم الدولة وحماية حقوق المواطنين وضمان حرياتهم.
قطار التعديلات الدستورية انطلق بالفعل، ولكن ما أخشاه أن يكون الاهتمام ببلوغه محطته النهائية بسرعة وكفاءة متجاهلا لما يتفاعل فى الشارع المصرى من ردود فعل حقيقية وتساؤلات مشروعة ومخاوف قد لا تجد طريقها إلى الاعلام الرسمى والقنوات المملوكة للدولة ولكنها موجودة ولن تختفى بالتجاهل.