نشر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى مقالا بتاريخ 6 فبراير للكاتب أساف أوريون، يجادل فيه أن لإسرائيل مصلحة من المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، ويجب عليها أن تدمج بحكمة بين الحصول على دعم الولايات المتحدة وبين الحفاظ على علاقات اقتصادية مثمرة مع الصين مع أخذ المخاوف الأمريكية على محمل الجد.. نعرض من المقال ما يلى.فى إطار العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، إلى أى حد تشكّل الصين مشكلة كبيرة؟ يشكو بعض الأمريكيين من الودّ الكبير الذى تُظهره إسرائيل إزاء الصين ومن الخضوع لنفوذها. وتُسلّط هذه الشكاوى الضوء على المشاريع الضخمة التى بنتها الشركات الصينية فى إسرائيل. وقد قال بعض النقّاد إن إسرائيل عليها الاختيار بين أمريكا والصين.
لكنّ إسرائيل اتخذت القرار بشأن هذا الخيار منذ زمن طويل. فحليفتها الاستراتيجية التى لا يمكن استبدالها هى الولايات المتحدة. إلا أن ذلك لا يمنعها من إنشاء علاقات اقتصادية مع الصين. وتتمتع الولايات المتحدة نفسها بوفرة من هذه العلاقات. وليس هناك سبب يدفع إلى مطالبة إسرائيل بتبنى ما يمكن دعوته سياسة «حزام العفة والطريق».
منذ عام 2001، نمت تجارة إسرائيل مع الصين اثنَى عشر ضعفا إلى أكثر من 12 مليار دولار. لكن فى السنوات الثلاث الماضية، كانت صادرات إسرائيل إلى الصين تتراجع وهو الأمر بالنسبة لاستثمارات الصين فى إسرائيل. وتبلغ هذه الاستثمارات 8ــ10 فى المائة من الاستثمار الأجنبى المباشر فى إسرائيل، ما يوازى حوالى سدس حصة أمريكا. وفى عام 2020، سجّلت الصين أقل من 11 فى المائة من إجمالى التجارة الخارجية فى إسرائيل، وهى نسبة أدنى بكثير من الاتحاد الأوروبى (36 فى المائة) والولايات المتحدة (16 فى المائة).
وفى السنوات الخمس إلى العشر الماضية، تغيّرت سياسة الولايات المتحدة إزاء الصين بشكل حاد، فأصبحت أكثر حذرا ومقاوَمةً، وتتبع إسرائيل حذو واشنطن إلى حدٍ ما لكن ليس تماما. وشكّلت «استراتيجية الأمن القومى» الأمريكية لعام 2017 نقطة التحول، وربما جاءت الاستراتيجية الخاصة بإسرائيل مع تغيير الحكومة، إن لم يكن قبل ذلك. وتعيد الحكومة الجديدة النظر فى سياسات الحكومة السابقة، من بينها تلك المتعلقة بالصين، وتسعى إلى «إعادة ضبط» علاقاتها مع واشنطن لتحسينها. وهى بحاجة إلى الوقت للتكيف. ويقول المسئولون الإسرائيليون إنهم يأخذون القلق الأمريكى بشأن الصين على محمل الجد كمسألة أمن قومى. ويبدو أنهم يفهمون ذلك.
• • •
وأثارت إدارة ترامب الهواجس بشأن الصين مع رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، فركّزت على ثلاث مسائل أساسية هى: تقنية «الجيل الخامس»، حيث حذّرت الولايات المتحدة وفقا لبعض التقارير من استخدام المعدات الصينية فى شبكة الاتصالات الإسرائيلية (خيار «إما ما أريده وإما هواوى»). وفى الواقع، على عكس بعض شركاء الاستخبارات الآخرين الأقرب إلى أمريكا، كانت إسرائيل قد تفادت التعرض لمثل هذه المخاطر فى شبكتَيها من «الجيل الرابع» و«الجيل الثالث». ولم تكن بحاجة إلى تحذير الولايات المتحدة. ووصف النقّاد قيام شركة صينية بتشغيل جزء من ميناء خليج حيفا على أنه خطر أمنى جدى يمكن أن يجعل الميناء غير قابل للاستخدام من قِبل سفن البحرية الأمريكية. لكنّ إسرائيل حدّت من المخاطر. فلا يستطيع رصيف الحاويات أن يخدم البحرية الصينية. ودور الصين لا يعطيها نفوذا غير مبرر على إسرائيل، كما تتمتع وكالات الأمن الإسرائيلية بصلاحيات تفتيش واسعة هناك ضد تهديدات التجسس. وأظهر توقُّف مدمرة الصواريخ «يو إس إس أوكين» التابعة لـ«الأسطول الأمريكى الخامس» فى الميناء فى أكتوبر أن بحرية الولايات المتحدة راضية عن أمن الميناء.
وطلبت واشنطن أيضا تعزيز الرقابة الحكومية الإسرائيلية على الاستثمارات الأجنبية ــ لا سيما الصينية ــ فى إسرائيل، على غرار «اللجنة الأمريكية للاستثمار الأجنبى» فى الولايات المتحدة. وأنشأت إسرائيل آلية استشارية فى أوائل عام 2020. وهى ليست بالقوة التى كان يأملها الكثيرون، لكنها خطوةً فى الاتجاه الصحيح، ومن المتوقع حدوث تحسينات.
• • •
بدأت رياح التغيير تهب فى إسرائيل. فخسرت بعض الشركات الصينية أمام الشركات المنافسة فى المناقصات الأخيرة، كما حصل فى محطات تحلية المياه وتوليد الطاقة. إن ثقافة إسرائيل غير نظامية نسبيا، وإذا أُعطى التوجيه الصحيح، يتبين أن الأجهزة التى تبدو ضعيفة هى بالفعل قادرة تماما، بينما تُفضّل تسوية القضايا الحساسة بهدوء. وفيما يخص كل المسائل الثلاث، يبدو أن تركيز واشنطن ضيّق جدا لمعالجة هواجسها الخاصة. فبدلا من الإشارة إلى صفقات وأعمال محددة، يجب أن ينخرط الشريكان فى مستويات استراتيجية أعلى، بدءا من الغايات بدلا من السبل والوسائل.
وأحد الهواجس الأمريكية الكبيرة هو أن مساعى الصين فى مجال التكنولوجيا الأجنبية تستهدف إسرائيل كمصدر محتمل. وكما تُظهر الأبحاث، يشمل المشروع الصينى العالمى لنقل التكنولوجيا جهودا قانونية وغير شرعية، وعمليات تجسس وسرقة، وأنشطة تجارية، بالإضافة إلى علاقات أكاديمية، تتخطى بأشواط نطاق الاستثمار. وبينما تُطبّق الصين وفقا لبعض التقارير مجموعة أدواتها فى أنحاء العالَم عبر عمليات التكييف المحلية، يمكن أن تفترض إسرائيل أنها تواجه مخاطر مشابهة. ففى أغسطس، أفادت شركة «فاير آى» (FireEye) الدولية للأمن السيبرانى أن إسرائيل استُهدفت من قبل حملة تجسس إلكترونية وصناعية ضخمة على الإنترنت، ربما من قبل الصين، مما يشير إلى أن التحدى الذى تواجهه إسرائيل حقيقى ومباشر، بما يتجاوز مجرّد تحفظات واشنطن.
لإسرائيل مصلحة حقيقية فى إطار المنافسة بين القوى العظمى، إذ تشكّل قوة الولايات المتحدة ودعمها ركيزة أساسية فى الأمن القومى الإسرائيلى. إلا أن الصين ليست عدو إسرائيل، ولا ترغب فى أن تكون كذلك. لذا يجب أن تدمج سياسة إسرائيل بحكمة بين أمرين هما: دعم الولايات المتحدة بالتكنولوجيا والابتكار والأبحاث والتطوير فى المجالات السيبرانية والدفاعية، فيما تتمتع بعلاقات اقتصادية مثمرة وانتقائية وآمنة مع الصين؛ وأخذ الهواجس الأمريكية على محمل الجد والمتاجرة مع الصين فيما تُخفف تَعرُّضها الخاص للمخاطر المبلَّغ عنها عالميا، بما فيها التهديدات السيبرانية والتجسسية، ونقل التكنولوجيا، والتأثير الخارجى، وتحديات الإكراه الاقتصادى.
تُكيّف إسرائيل وواشنطن تدريجيا شراكتهما الاستراتيجية مع عصر المنافسة بين القوى العظمى. وفيما تسعى الولايات المتحدة إلى تركيز انتباهها أكثر فأكثر على المحيط الهندى الهادئ، مكافِحةً لتحقيق التفوق فى المراحل المتقدمة من التقنيات المتطورة والبيانات والفضاء الجوى، يمكن أن تؤدى إسرائيل دورا داعما مهما. ويمكن أن تتشارك إسرائيل العبء الأمنى فى الشرق الأوسط فيما تُساهم فى القاعدة الابتكارية الخاصة بالغرب وقوة ردعه السيبرانية. وكما قال الرئيس جون كينيدى فى أحد خطاباته، يجب أن يسأل القادة الإسرائيليون باستمرار ماذا يمكنهم أن يفعلوا لأمريكا بينما تواجه تحديا تاريخيا.
النص الأصلى