مصر أكبر منهم
وائل قنديل
آخر تحديث:
الإثنين 11 مايو 2009 - 7:42 م
بتوقيت القاهرة
ماذا لو قرر الرئيس الأمريكى باراك أوباما فجأة تأجيل زيارته إلى القاهرة، أو زيارتها دون توجيه رسالته «المرتقبة» إلى العالم الإسلامى، أو حتى قرر إرجاء الزيارة والرسالة معا؟
هل ستصغر مصر وتتضاءل ويتراجع دورها على مستوى المنطقة والعالم (أسمعك الآن تهمهم عن أى دور تتحدث) أم أن شيئا لن يتغير؟
السؤال بصيغة أخرى: هل كانت مصر صغيرة وضئيلة وهزيلة قبل أن يقرر أوباما زيارتها.. ثم تعملقت وتضخمت فجأة مع قرار الزيارة؟
مرة أخرى: هل تليق مهرجانات الرقص والهتاف التى اندلعت على صفحات جرائد الحكومة مع إعلان زيارة أوباما بحجم مصر وثقلها التاريخى بصرف النظر عمن يجلس على سدة الحكم فيها؟
أخشى أن يكون العالم ينظر إلينا من بعيد ضاحكا ومندهشا من هذا الفرح الصبيانى المجنون بزيارة الرئيس الأمريكى، ولسان حاله يقول: أهذه مصر حقا أم أنها قطر أو الصومال أو واحدة من جمهوريات الموز التى تحسست علامات نموها وبلوغها التى نبتت فجأة لمجرد أن رئيس أمريكا قرر زيارتها؟
والأخطر من كل ذلك؛ أن بعض الصبية ــ وبتسرع ساذج ــ اعتبروا أن الترجمة الحرفية لاختيار القاهرة هى أن الآخرين أصغر وأقل منها، بل إن أحدهم لم يخجل وهو يقول إن عواصم أخرى أصيبت بالخضة بعد الإعلان عن زيارة أوباما.
وإذا كان ذلك منطقيا ومتسقا مع تكوين هؤلاء الجاهلين بحجم وقيمة مصر، فإن المثير والعجيب أن يستيقظ وزير الخارجية فجأة و«ينخع» حوارا مطولا عن الدور المصرى وعظمة الدور المصرى وقوته وتأثيره وامتداده حتى كاد يقول إن الدور المصرى مسئول عن ثقب الأوزون واختراع إنفلونزا الطيور والخنازير وإهداء تنظيم كأس العالم إلى جنوب أفريقيا، وربما المساعدة فى إلحاق هزيمة تاريخية بريال مدريد على يد برشلونة.
ولم يكن الوزير دبلوماسيا على الإطلاق وهو يقول إن كلمة أوباما لو ألقاها من عاصمة إسلامية أخرى لفقدت نصف مضمونها، وكأنه لكى تكون مصر كبيرة ومؤثرة لابد أن يكون الآخرون صغارا وعديمى التأثير، ما يعيدنا إلى السؤال الأول: لو كان أوباما قد اختار الرياض أو دمشق أو بغداد أو حتى بيروت لإلقاء كلمته، فهل معنى ذلك أن واحدة من هؤلاء أكبر وأهم من القاهرة؟
بالطبع لا.. كما أنه من المؤكد أيضا أن هؤلاء يدركون جيدا أهمية وثقل القاهرة ويحترمون تاريخها وجغرافيتها وعمقها الحضارى، أكثر بكثير من صغارها الذين يلهون ويتقافزون فوق صفحات جرائدها الرسمية على إيقاعات مثيرة للضحك والرثاء معا.
والله العظيم مصر كبيرة.. أكبر بكثير من خاطفيها والذين احتلوا حنجرتها فشوهوا صوتها وصورتها.