الحفاظ على قوة الدفع بعد لقاء واشنطن الأخير
إيهاب وهبة
آخر تحديث:
السبت 11 مايو 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
ركزت أجهزة الإعلام ــ العربية منها وغير العربية ــ على جانب واحد من النتائج التى حققها اجتماع وزراء الخارجية العرب مع وزير الخارجية الأمريكى فى واشنطن يوم 29 أبريل الماضى. الجانب الذى لقى الاهتمام كان ما صدر عن رئيس الوفد العربى ــ بعد الاجتماع ــ عن إمكانية الاتفاق بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى على تعديلات طفيفة ومتبادلة ومتوافق عليها على الحدود النهائية بين الدولة الفلسطينية وإسرائيل. اعتبرت بعض التعليقات أن العرب قدموا تنازلاً مجانياً لإسرائيل، وأن ذلك الطرح فيه خروج عن نص المبادرة العربية لعام 2002 التى تحدثت عن الانسحاب الكامل فى مقابل التطبيع الكامل.
قليل فقط من تلك التعليقات اهتم بإبراز إيجابيات اللقاء العربى ــ الأمريكى، والتحدث عن مغزى ما تم فيه، إلى جانب أهمية عقد مثل ذلك اللقاء أصلا وفى المرحلة الحالية التى تضطرب فيها الأحوال فى الدول العربية. للتذكرة فإن اللقاء قد تقرر فى مؤتمر القمة العربية الأخير فى الدوحة، وضم الوفد العربى إلى واشنطن قطر ومصر والسلطة الفلسطينية والبحرين والأردن وذلك بالإضافة إلى أمين عام جامعة الدول العربية.
●●●
كانت المبادرة العربية لعام 2002 هى محور المباحثات التى جرت فى واشنطن، ويعد ذلك ولا شك إنجازاً عربياً مهما بعد أن حسبنا أن المبادرة قد أصبحت فى خبر كان، وبعد أن هددنا مراراً بأنها لن تبقى مطروحة إلى الأبد، فإذا بها تقفز إلى السطح مرة أخرى، وتدور حولها كل الجهود الأمريكية لإحراز تقدم فى العملية السلمية. أكد الجانب العربى فى المباحثات على أن هذه المبادرة العربية تشكل القاعدة السليمة لتحقيق السلام والعدل والاستقرار فى المنطقة. وأوضح أن أى اتفاق سيتم التوصل إليه لابد وأن يقوم على أساس حل الدولتين، وعلى أساس خطوط 4 يونيو 1976 مع تعديلات متبادلة وطفيفة عليها بحيث يتم تبادل للأراضى على أساس من المساواة. أما وزير الخارجية الأمريكية ــ الذى يضع هدف التوصل إلى حل للنزاع نصب عينيه ــ فقد امتدح جهود جامعة الدول العربية فى إرسال الوفد، واعتبر أن المباحثات كانت بناءة وإيجابية للغاية. من المهم أن نشير أيضاً إلى أن وزير الخارجية أعلن بوضوح أن مشاركته فى المباحثات كانت باعتباره ممثلاً للرئيس الأمريكى، وأن الولايات المتحدة ملتزمة بالعمل على إنهاء النزاع وذلك على أساس الرؤية التى أعلن عنها الرئيس أوباما فى 19 مايو 2011 (فى خطاب شامل له ألقاه بمقر وزارة الخارجية الأمريكية) والتى تقوم على أساس وجود دولتين تعيشان فى سلام وأمن. وحتى نكمل الصورة نشير إلى أن نائب الرئيس الأمريكى جو بايدن قد حضر جانباً من المباحثات، وأن هذه الأخيرة قد جرت فى مقر الضيافة الرسمى للرئيس الأمريكى. يعنى هذا أن الرئيس الأمريكى مازال منشغلاً بمشكلة الشرق الأوسط، ولم ينأى بنفسه عنها كما تردد فى السابق. وأكثر من هذا فإن الرئيس الأمريكى قابل خلال الشهر المنصرم، وقبل انعقاد المباحثات فى بلير هاوس، كلاً من أمير قطر وكذلك العاهل الأردنى، وكانت قضية الشرق الأوسط والأوضاع فى المنطقة هما محور المباحثات التى جرت مع الزعيمين العربيين. بقى أن نشير إلى أن وزير الخارجية الأمريكى قد تعهد بأن تتواصل المباحثات مع الجانب العربى وتتكرر اللقاءات بشكل دورى.
●●●
أعلنت السلطة الفلسطينية على الفور تأييدها لما صدر عن المؤتمر وفكرة تبادل الأراضى. وأوضح صائب عريقات أن تلك الفكرة قد جرى بحثها فى السابق أثناء العديد من اللقاءات التى تمت مع رؤساء الوزارات الإسرائيلية السابقة، وبالتالى فهى لا تمثل جديداً، فدولة فلسطين يمكنها من منطلق السيادة بحث إدخال تعديلات طفيفة، متفق عليها مع إسرائيل، على أن تكون الأراضى محل التبادل بين السلطة وإسرائيل متطابقة من حيث المساحة والجودة. والواقع أن رسالة بعث بها الرئيس أبومازن إلى نتنياهو فى 17 أبريل عام 2012 تضمنت ما نصه «أن السلطة الفلسطينية تستهدف إقامة دولة فلسطينية جنباً إلى جنب مع إسرائيل وذلك على أساس حدود 1967 مع تبادل للأراضى متفق عليه، بحيث تكون هذه الأراضى المتبادلة متطابقة من حيث المساحة والقيمة».
إذن فذلك الأمر ليس بجديد، ومع ذلك اعترضت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية والجهاد الإسلامى وحماس على أمر هذا التبادل والذى اعتبرته هذه المنظمات تنازلاً إضافياً لإسرائيل مواقف هذه المنظمات لا يمثل جديداً أيضاً، أو تغييراً فى مواقفها التقليدية.
●●●
هذا بالنسبة للموقف الفلسطينى، أما بالنسبة للموقف الإسرائيلى فقد رحبت أحزاب المعارضة الرئيسية بالطرح العربى. ودعت نيتانياهو إلى اغتنام الفرصة السانحة الآن لإحياء مفاوضات السلام بأسرع ما يمكن. فرئيسة حزب العمل رأت أن المقترح العربى يجب بحثه بكل الجدية اللازمة، مؤكدة أن حزبها سيدعم أى خطوات تستهدف تحقيق اتفاق بين الأطراف. ودعت تسيبى ليفنى، التى تتولى وزارة العدل فى الحكومة الإسرائيلية الحالية، والتى عُهد إليها تولى ملف المفاوضات، دعت إلى التعامل بشكل إيجابى مع التطورات الأخيرة، ومؤكدة أن السلام مع الفلسطينيين إنما يعنى سلاماً مع العالم العربى بأكمله. أما رئيس إسرائيل شيمون بيريز فاعترف بأن الموقف العربى قد خلق فرصة جديدة لإحياء عملية السلام.
لم يعلق نتنياهو مباشرة على الطرح العربى، لكنه رواغ كعادته بالقول أن النزاع لا يدور حول الأرض والحدود، ولكن حول رفض العرب الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. وأصدر مكتبه بياناً مراوغاً أيضاً رحب بجهود أوباما وكيرى، واستعداد إسرائيل لبدء المباحثات دون شروط مسبقة. ربما الجديد هو أن نتنياهو يتحدث الآن عن أخذ رأى الشعب الإسرائيلى حول أى اتفاق يتم التوصل إليه، وذلك عن طريق إجراء استفتاء شعبى ليكن له ما أراد، ومثل هذه الخطوة توفر ضماناً مهما لأى اتفاق قد يبرم من الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى.
وبالرغم من انتعاش الآمال فى قرب استئناف عملية السلام، فإنه يجب أن نضع فى اعتبارنا أن آخر ما يتمناه نيتانياهو هو أن يُجَر جراً إلى مائدة المفاوضات، إما بضغوط أمريكية أو داخلية. لذلك لا أتصور أنه يمكن فصل المغامرات الإسرائيلية الأخيرة، سواء بالهجمات على سوريا أو على غزة، عن رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلى فى افتعال أزمات تُحوِّل الاهتمام بعيداً عن جهود السلام. ومع ذلك أعتقد- على الجانب الآخر- أن الولايات المتحدة، وهى ترقب تطورات الأوضاع فى سوريا، وانغماس أطراف إقليمية فى المواجهات الدائرة مثل (إيران وحزب الله) بما يهدد بانفجار ضخم فى المنطقة، يهمها إحداث اختراق ما فى تسوية الصراع العربى- الإسرائيلى يُمكِّنُها من كسب دول عربية إلى صفها إذا أقدمت على تبنى نقلة نوعية فى موقفها من الأزمة السورية مثل الالتجاء إلى استخدام القوة المسلحة بشكل أو بآخر.
●●●
لا شك أن مهمتنا الحالية، هى الحفاظ على قوة الدفع التى تولدت بعد لقاء واشنطن، والذى دفع بأصوات عديدة داخل إسرائيل إلى المطالبة بإعادة النظر بشكل جدى فى مبادرة السلام العربية. ونلاحظ بالفعل أن وزير الخارجية الأمريكية كيرى قد اجتمع بعد لقائه بالوزراء العرب، بالمسئولة عن ملف المفاوضات فى إسرائيل تسيبى ليفنى، من أجل استكمال حلقة المناقشات مع الجانبين. إذن فنحن أمام تحرك عربى فاعل ومدروس من ناحية، وتصميم أمريكى كان مفتقداً لفترة طويلة سابقة، من ناحية أخرى.
مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية