تحرش أمام الله


رضوى أسامة

آخر تحديث: السبت 11 مايو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

فى الأسبوع الماضى كنت فى زيارة لأداء العمرة فى بيت الله الحرام، كنت مستمتعة بالروحانية التى تنبعث من الكعبة بمكة، وأمضيت معظم الوقت بجوار الكعبة، أتأمل الروح الأخاذة للمكان والتى تجعلك تكاد ترى الله فى كل مكان من حولك.

 

وفى أثناء الطواف وبينما روحى تصبو للقاء الله وأعتصر من شدة الخشوع والولع بفكرة أننا نطوف أمامه مباشرة وجدت يدا تعبث أسفل ظهرى، جعلتنى أنتفض وألتفت خلفى لأجده ينظر إلى الأرض ويكاد يختبئ، لكنى عرفته، نفس نظرات المتحرش القميئة التقليدية التى قد تقابلها كثيرا فى القاهرة وسط الشوارع المزدحمة، لكن المختلف هذه المرة هو أننا أمام الله مباشرة.

 

لم أسبه ولم أصرخ ولم أقم بتحرير محضر كما قررت أن أفعل فى الآونة الأخيرة كرد فعل إزاء التحرش. اكتفيت بنظرة قاسية وتذكيره بصوت عال أننا فى حضرة الله.

 

أشعر بالأسى كلما تذكرت ذلك المشهد، وأشعر بعبث النقاش الدائر حول ملابس الفتاة، لأننى كنت أطوف فى بيت الله الحرام وأرتدى جلبابا طويلا فضفاضا وإيشارب، وكلنا فى سياق حضرة الله حيث الصمت يختلط بالذكر، ينتفض أحدهم ليذكر الله بلغته فيجد صدى لذكره بلسان لغات آخرى، لكنك رغما عن ذلك تسمع صمتا فى المكان وتتأمل فى علاقتك بصاحب هذا البيت.

 

يبدو أن حادثة التحرش لم تحدث لى وحدى لأن فتاة كانت تطوف إلى جوارى ومن جنسية أخرى كانت تلتصق بى وتشعر بالأمان بصحبتى أنا وزوجى.

 

وعند انتقالى من مكة للمدينة وفى السابعة صباحا وأنا فى المسجد النبوى أحاول زيارة الروضة الشريفة وبعد عناء الزحام والانتظار والصلاة هناك، خرجت فى حالة روحية جميلة متلمسة نسمات الهواء الصباحية المنعشة ومتوجهة إلى الفندق لأستكمل نومى. وإذا بى فجأة أجد رجلا ينتظر بجوار المسجد النبوى ليدعونى إلى الرحيل معه. الدعوة كانت غريبة جدا بجوار المسجد النبوى، وظللت أتأمل فى طريقة تفكيره، يبدو أننى خارجة لتوى من صلاة الفجر ومن بعدها زيارة الروضة، كما يبدو من مظهرى أننى أقوم بأداء العمرة، فكيف تصور أننى سأسعد لدعوته أو سألبيها أصلا.

 

كان لدى رغبة حقيقية لخوض نقاش معه والتأكد من سلامة قواه العقلية، لكنى لم أفعل.

 

التحرش ليس مسئولية الضحية نهائيا، وأى نقاش حول هذا الموضوع عبثى جدا، ففى مكة كنا فى دولة إسلامية وغير مسموح لغير المسلمين بدخولها وكنا أمام الله مباشرة وكنت أرتدى ملابس غاية فى الاحتشام، ولم يمنع ذلك المتحرش من القيام بفعلته. هذا قد يرد على ادعاءات البعض بأن السبب فى التحرش هو ملابس الفتاة أو أن غير المسلم هو من يقوم بالتحرش.

 

الأمر له علاقة بخلل فى عقل الشخص المتحرش، تلك المتعة التى يشعرها من اختلاس لمسات من الضحية رغما عنها، لا يمكن توصيفها إلا بالاضطراب. ذلك الانفصال عن السياق الروحى للمكان وعدم تقدير العواقب هو عرض من أعراض العديد من الاضطرابات العقلية.

 

الأمر أيضا له علاقة بسن القوانين ومدى تشددها، ففى رحلة لى خارج مصر فى دولة أوروبية وفى الصيف تحديدا، حيث النساء الأوربيات يرتدين ملابس لا تقارن بملابس المصريات «غير المحتشمات» فى فصل الصيف. كان معى فى الوفد المصرى شخص أعرف أنه يقوم بالتحرش بالفتيات فى الشارع ورغم ولعه الشديد واقتراب فقدان عقله على البنات الأوربيات، إلا أنه كان مقدرا للعواقب جدا إذا خرج عن نطاق عقله وفكر فى التحرش بإحداهن، وما منعه من القيام بذلك هو القانون الصارم لتلك الدولة.

 

لكن لو كان هذا الشخص مختل عقليا لما قدر تلك العواقب وسيقوم بالتحرش. فالقائم بالتحرش إما مختل عقليا أو شخص مستهتر استغل خجل الفتيات وعدم توكيدهن لحقوقهن وعدم صرامة القانون إزاء ذلك.

 

كم عدد الفتيات اللاتى تصرحن بأنهن تعرضن للتحرش الجنسى؟ للأسف نسبة تكاد لا تذكر من المتحرش بهن هى التى تعلن عن حدوث ذلك وتحاول إيقاف المتحرش.

 

فى إحدى جلسات العلاج النفسى لشخص مضطرب اعترف أنه يخرج من بيته يوميا للتحرش بالفتيات فى المواصلات العامة وتحدث عن أنه نادرا ما تعلن الفتاة عن رفضها لذلك، فهى تصمت خوفا من الفضيحة واللوم.

 

لذا فالتربية الجنسية للأطفال نوع من أنواع الوقاية من التحرش الجنسى للفتيات، أن تعلم حدود جسدها ومدى مسئوليتها عما يحدث وكيفية حماية نفسها. كل ذلك يحميها من خطر التحرش الجنسى. أيضا سن القوانين الرادعة والحامية لحقوق المرأة وحمايتها من التحرش ستمنع عددا لا بأس به من الرجال من التحرش بالنساء.

 

 

 

 (باحثة نفسية)

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved