العيب فى الأسطى يا أهل الدراما
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 11 مايو 2021 - 7:25 م
بتوقيت القاهرة
فى أغلب المتابعات النقدية حول دراما رمضان تكررت إشارات واضحة لمشكلات الكتابة الدرامية فى غالبية الأعمال المقدمة على الشاشة.
وترحمت الأجيال التى عاصرت دراما أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد ومحفوظ عبدالرحمن ومحسن زايد وكرم النجار ويسرى الجندى ولينين الرملى على أيامهم وأعمالهم التى لا تزال خالدة ومحفوظة رغم أنهم لم يحصلوا على ملايين الجنيهات وعاشوا حياتهم من «مساتير الناس».
ويعرف المشاهد أن لكل كاتب من بين هؤلاء الكتاب طعما «ورائحة» ووصفة طبخ بمقادير ثابتة ومهما تغيرت طبيعة الموضوعات كان من السهل الاستدلال على معطيات هذا العالم عبر شفرة تصل بينها وبين الجمهور وكل ذلك يقع فى الإطار الذى يسميه النقاد «رؤية العالم».
فلا وجود لإبداع حقيقى بدون رؤية للعالم، تكشف عن الانحيازات وتشير إلى القيم التى يرغب كل كاتب فى ترسيخها عبر النماذج الدرامية التى يقدمها وتماثل شرائح وفئات اجتماعية موجودة على أرض الواقع.
وكثيرا ما نطابق فى أحاديثنا اليومية بين سلوكيات من نعرفهم ونردها إلى نماذج درامية شاهدناها.
وهذا العام تجلت بوضوح مشكلات الكتابة، لدرجة تراجع مستوى المؤلفين الذين كانت أعمالهم السابقة تكشف عن وعود بامتلاكهم لعالم متفرد وتعد بأفق مختلف.
ولا يمكن الجزم بأن السبب الرئيس فى تدهور الكتابة يرجع لتدخلات الجهات الإنتاجية فقط، لأن التردى واضح حتى فى الأعمال التى نجت من أى تدخل، وكانت تعالج قضايا اجتماعية بحتة أو قصص حب عادية.
وإذا رأى البعض أن المشكلة جاءت من طغيان نموذج «الورش الدرامية» على حساب تواجد المؤلف الفرد، فهى حجة مردود عليها بالمستوى المتميز الذى ظهر به مسلسل «خلى بالك من زيزى» وهو نتاج ورشة أشرفت عليها مريم ناعوم، كما أن مسلسل «لعبة نيوتن» الذى حظى بأكبر كم من التعليقات الإيجابية اعتمد بدوره على ورشة كتابة تابعها المخرج تامر محسن مع مها الوزير وله تجربة سابقة فى العمل مع ورشة أخرى تابعها محمد فريد فى مسلسل «هذا المساء».
وعلى الرغم من بعض مشكلات الكتابة التى عانت منها الحلقات الأولى فى «لعبة نيوتن» إلا أن المسار الدرامى اكتمل بطريقة متميزة ووفق رؤية وانحيازات واضحة يصعب تفادى رسائلها السياسية والاجتماعية.
وبالتالى ليست المشكلة فى الورش على كثرة عيوبها وإنما فى «الأسطى» المكلف سواء بإدارة الورشة أو بكتابة العمل بشكل منفرد.
وفى تصورى أن المؤلفين والمخرجين الجدد يعانون معا من مشكلات تتعلق بظروف التكوين أكثر من أى شىء آخر، فهم يدخلون المهنة من باب التعلق أو رغبة فى «أكل العيش» وليس من أى باب آخر، وبالتالى يكون وعيهم مهنيا وفقط وهم يختلفون عن أغلب الكتاب الكبار الذين أوردت أسماءهم فى بداية المقال وهم جاءوا من الأدب وكانوا جزءا من حركة أدبية فى السبعينيات أو الستينيات وأغلبنا يعرف مثلا أن وحيد حامد كتب دراما بنصيحة من يوسف إدريس وأن أسامة أنور عكاشة تعلم أصول الكتابة الدرامية من الكاتب الراحل سليمان فياض الذى نصحه بتركيز جهده فى الكتابة للتلفزيون رغم الاشتياق الذى لازمه للكتابة الأدبية.
وبالمثل فعل محفوظ عبدالرحمن القادم من المسرح هو ولينين الرملى الذى كان ابن عائلة ظلت الكتابة حرفتها الوحيدة ومارس الصحافة لسنوات مثل صالح مرسى الذى استعمل ملفات المخابرات وقدم دراما بأثر «دموع فى عيون وقحة» أو «رأفت الهجان» وهو أثر لا يمكن تفادى سحره.
والأهم عندى أن هؤلاء الكتاب جميعا كانت لهم انحيازات ورؤى ومواقف من الشأن العام واستعملوا الكتابة كوسيلة لتأكيدها أو للكشف عنها وهو ما يفتقر إليه أغلب كتاب ومخرجى اليوم الذين على الرغم من تفوقهم التقنى وتميز العناصر البصرية يقدمون أعمالا معلقة فى الهواء، ليست لها جذور فى الواقع ومنعزلة تماما عن السياق العام، يفتقرون فيها إلى الانحياز، ليس بالمعنى الأيديولوجى الذى يتعصب لفكرة أو لقضية وإنما بالمعنى الذى ينتصر للقيم الإنسانية فى معناها العريض فما كنا نشاهده إما واقع تحت ضغوط لحظة الاستقطاب أو مستجيب لزيف الاستهلاك. وإما ارتضى أن يتوسل للناس بفهم خاطئ لمعنى «الخفة» ووصل إلى حد الاستخفاف.