هل الأسرة المصرية ما زالت متماسكة؟

عمرو هاشم ربيع
عمرو هاشم ربيع

آخر تحديث: الخميس 11 مايو 2023 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

لماذا تثار اليوم مسألة تماسك الأسرة المصرية؟.. الموضوع جد ومهم للغاية. معرض أهميته أن هناك مظاهر عديدة للتفكك داخل الأسرة، ما جعل هذا الموضوع أحد أبرز الموضوعات المطروحة على مائدة الحوار الوطنى، من خلال لجنة الأسرة والتماسك المجتمعى.
منذ عقود قليلة يبدو للكثيرين أن الأسرة المصرية تعيش فى حال تفكك. بالطبع تلك الظاهرة لا تنفرد بها مصر عن غيرها من الكثير من بلدان العالم، لكن التركيز هنا على مصر للفت الانتباه لجسامة تلك المشكلة، وما خلفته وتخلفه من آثار سلبية على الشأن الاجتماعى فى البلاد.
فمنذ بداية عصر الانفتاح الاقتصادى فى النصف الأول من سبعينيات القرن الماضى، وما تلاه من تطورات تكنولوجية عالمية كبيرة نهاية ذات القرن، أسست ما هو معروف بمناخ وعصر العولمة، وما تبع كل ذلك من تغيرات كبيرة على كيان الأسرة المصرية خاصة والمجتمع المصرى عامة على الأصعدة الجهوية والقطرية والإقليمية. كل ذلك أسفر عن حراك اجتماعى لا نظير له مقارنة بالحال بين أى فترتين أو عصرين من الأزمنة الغابرة، وذلك بسبب سرعة الحراك ودراميته، بما أسفر معه عن تبدل عديد القيم من سيئ إلى أسوأ.
واحد من أسباب هذا التفكك، يرجع إلى التطور الكبير الذى شهده عمل المرأة. إذ من المعروف أن المرأة هى عماد الأسرة، وهى قلبها النابض فى تربية النشء، والولوج إلى أجيال جديدة. وكانت المرأة قديمًا تساهم فى تنمية قدرات الأسرة عبر العمل، سواء فى الحقل إلى جانب زوجها بالريف، أو فى المدينة بالعمل خارج المنزل فى المحيط القريب جدًا من بيتها، وبالعمل المناسب لها، وبما يسمح وقتها وحالتها بعدم إهمال أبنائها، وذلك كله باعتبار الأب هو العائل الرئيس وربما المسئول الأوحد والكفيل، ومن ثم ما كان خروج المرأة للعمل إلا لسد نقص مادى مهم بالبيت بشكل رئيس، أو لتحقيق ذات بشكل فرعى.
من هنا كانت المشكلة فى ابتعاد المرأة عن المنزل بشكل مبالغ فيه كمًا ونوعًا. كما، أى من خلال الخروج لأوقات طويلة، وربما السفر لأيام وأشهر خارج المنزل، وتركها لأبنائها فى يد عاملة أو زوج غير متفرغ أصلا. ونوعًا، عبر الانغماس فى أعمال ثقيلة الظل، شديدة الوطأة ربما لا تتحملها، ما يجعلها تعود لمنزلها مجهدة، ترغب فى الخلود للراحة استعدادًا لعمل يوم غد. كل ذلك أثر دون شك على حال الأبناء، وعلى وضع التماسك الأسرى، ما جعلنا نشاهد الكثير والكثير من حالات جنوح الأبناء، حتى داخل الأسر المرموقة من داخل الطبقة العليا.
لكن ما يضاف إلى ما سبق أن الأب أيضًا كان يخرج للعمل لفترات طويلة خارج المنزل، وليته كان يقوم بذلك داخل البلاد، بل كان ذلك فى الكثير من الأحيان خارج القطر كلية. فبسبب الوضع الاقتصادى الرث للكثير من الأسر، وفى إطار السعى للارتقاء بالأسرة، واستثمارًا للقدرات الذاتية، ورغبة فى سد عجز كبير فى بلدان الخليج العربى وما شابهها، والتى صاحبت رغبات تنموية كبيرة فى تلك البلدان، استغلالا للوفورات النفطية الهائلة منذ ستينيات القرن الماضى وحتى اليوم.
(فى إطار كل ما سبق) خرج الكثير من الآباء دون ضابط ودون متابعة غالبيتهم لأحوال أسرهم فى الداخل، حيث ترك هؤلاء أبناءهم فى يد أم عاملة عمل غير مناسب مع التزاماتها المنزلية، أو أنه استعان بالأم لتلحق به هى الأخرى، وهنا يترك البيت فى حالة هرج ومرج وصخب، وتتعمق الخلافات بين أبنائه، وتضيع الالتزامات والضوابط مع أم خارج المنزل طوال اليوم، أو جدة لا حول لها ولا قوة، أو مربية لا تهتم إلا بأجرها وعملها اليدوى بالمنزل. هنا تفككت عديد الأسرة وصار كل ابن فى اتجاه، فشرد فى تيار دينى متطرف من شرد، وجنح وراء ملذاته وشهواته من جنح، وأصبح كل فى واد، ولا حجة لكل واحد من هؤلاء، إلا بكلمة دعنا نعتمد على أنفسنا، أو نجعل الأبناء يعتمدون على أنفسهم. ومن هنا عاد الغائبون من الخارج، ليجدوا بعض الأبناء وقد تورط مع فتاة أو شاب غريب، أو يدمن المخدرات، أو شارد مع فكر متطرف يسعى لاستغلاله لعمل إرهابى. والغريب بعد كل ذلك، أنه عند عودة الأب يجد الأبناء ينتظرون انتهاء إجازته وعودته للعمل فى الخارج، إذ يعتبرون فترة قدومه فترة للتضييق على ما اعتادوا عليه.
فى الأسبوع القادم نتطرق لباقى المظاهر المتصلة بحال الأسرة المصرية، والسبل الكفيلة لإعادة اللحمة لها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved