الخلاف داخل التيار المدنى.. أزمة أم فرصة؟
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الثلاثاء 11 يونيو 2013 - 11:33 ص
بتوقيت القاهرة
تصاعدت فى الأيام القليلة الماضية نذر وعلامات الانشقاق فى صفوف ما يسمى بالتيار السياسى المدنى، وبدا أن جبهة الإنقاذ الوطنى التى احتفظت بتماسكها النسبى منذ نهاية العام الماضى مضطربة فى مواجهة الخلافات من داخلها والضغوط من خارجها.
خلال أسبوعين فقط ظهرت على السطح الخلافات المتوالية بشأن حضور الاجتماع السرى/ المذاع الذى دعا اليه رئيس الجمهورية، ووليمة عشاء حضرها أحد قادة الجبهة من وراء زملائه، ومؤتمر اقتصادى تم تأجيله بعد الاختلاف على مضمونه وعلى موعده. حزب التحالف الشعبى كان أول الملوحين باحتمال الانسحاب من الجبهة، ولكنه لم يكن بالضرورة أول من ثارت الشكوك لديه.
فالقريبون من إدارة الجبهة يشتكون منذ فترة من عدم وضوح الرؤية والسياسات، ومن طغيان الجانب الإعلامى على العمل الجماهيرى، ومن الاضطراب فى آليات اتخاذ القرار، ومن عدم انسجام القيادة.
صحيح أن ما أبقى على تماسك الجبهة هو الشعور الطاغى بوجود خصم مشترك لديه برنامج عمل وخطة محكمة للسيطرة على الدولة ولو على حساب الوطن والمواطنين، وكذلك خشية كل طرف أن يكون أول البادئين بفتح باب الخلاف. ولكن مع هذا، فإن الواضح أن هناك توترا حقيقيا داخل صفوف ما يسمى بالتيار المدنى، قد لا يدفع إلى تفككه أو انقسامه التام، ولكنه يتعلق بقضايا خلافية لا ينبغى الاستهانة بها أو تجاهلها.
هذا عن التوتر الداخلى بين أحزاب المعارضة. أما من خارجها فإن حركة «تمرد» قد جاءت بمثابة الزلزال الذى حرك مياه الأحزاب الراكدة، وحشد فى أسابيع قليلة ملايين التوقيعات ضد حكم الرئيس مرسى وجماعة الإخوان المسلمين، وجذب إلى صفوفه جمهور لم تنجح الأحزاب فى كسب ثقتها.
وبرغم أن «تمرد» حركة شعبية احتجاجية موجهة ضد النظام الإخوانى الحاكم وتسعى لسحب الثقة منه وحده، إلا أن أحزاب المعارضة وقعت ضحية ثانوية وغير مقصودة لنجاح حركة «تمرد» التى جاءت لتكشف حجم الاحتجاج فى المجتمع والذى كان ينبغى أن يجد فى أحزاب المعارضة موقعه ومنزله الطبيعى.
الخلاف داخل صفوف ما يسمى بالمعارضة المدنية إذن له ما يبرره سواء من حيث تناقضاتها الداخلية، أم من حيث انصراف الجماهير عن العمل الحزبى عموما.
وهنا دعونى أوضح أن ما أعرضه هنا ليس على سبيل وصف المأساة المروعة كما يبدو لكثير من أنصار التيار المدنى الذين يتصورون أن أى خلاف داخله أو احتمال انشقاق يمثل نهاية العالم، كما أنه بالتأكيد ليس بغرض التشفى أو«الشماتة».
هذه الخلافات من وجهة نظرى حتمية بل وضرورية وقد يكون بروزها مبكرا أفضل بكثير من استمرار التعتيم عليها وتجاهلها إلى أن تنفجر وتتحول إلى معارك تترك شقاقا دائما وجراحا لا تندمل.
لا بأس أن يكون هناك خلاف حول بعض القضايا الاقتصادية والاجتماعية، فهذا طبيعى وصحى. ولا ضرر أن يكون هناك من يبحث عن مسار إصلاحى وتوافقى بينما يتمسك آخرون بالحلول الجذرية. ولا مانع من تباين المواقف حول طبيعة التحالفات الممكنة فى ظل السيولة التى تتميز بها الساحة السياسية.
هذا الفرز الداخلى لما يسمى بالمعسكر المدنى ليس ضارا بل قد يكون مفيدا للخروج من حالة الاستقطاب المدنى/ الدينى التى توشك أن تضيع البلد، ولتمكين الأحزاب والقوى السياسية المعارضة من أن تفصح عن هويتها بوضوح أكبر، وأن تحدد مواقفها من قضايا لا تحتمل الغموض مثل الانتخابات البرلمانية والحكم العسكرى والتعامل مع الأزمة الاقتصادية ومع النظام الحاكم، وغيرها.
مع ذلك فإن السؤال التالى يثور: إن كان شركاء التيار الواحد يمكن أن يختلفوا على كل هذه القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فما الذى يجعله تيارا واحدا أصلا؟ والإجابة أننا ربما بحاجة إلى ادراك ان قوة هذا التيار تأتى من تنوع أطرافه لا دمجها، وأن محاولات ضمها جميعا فيما يشبه الحزب السياسى الذى تكون له رؤية واحدة من كل القضايا والمواقف هى محاولات تؤدى بالضرورة إلى إضعاف هذا التيار الواسع وإلى انصراف الناس عنه لأن الاختلافات والتناقضات قائمة ولا داعى لتطويعها جميعا فى قالب واحد أصم.
ولذلك فقد يكون الأجدر أن توجد قوى سياسية متعددة الرؤى والاتجاهات ولكن ملتزمة بالتعاون والتنسيق فيما بينها والتكتل السياسى والانتخابى حول المطالبة بأن تكون مصر دولة ديمقراطية مدنية حديثة تسودها قيم العدالة والمساواة والحرية ويحميها القانون والقضاء المستقل.
التنوع والتعدد والاختلاف داخل المعسكر الواسع مطلوب ويؤدى إلى انشاء تحالفات سياسية وانتخابية أكثر صلابة وأكثر إخلاصا لأنها تكون عندئذ مبنية على الاعتراف بالاختلافات بين الشركاء والحلفاء. أما الإصرار الذى شهدناه فى الفترة الأخيرة على اعتبار التمسك بالجبهة كما لو كان تمسكا بالهوية أو بالعقيدة فهو أكثر ما أضعف الأحزاب المشاركة فيها وجعلها لا تلتقى فى النهاية إلا على قاسم مشترك غير واضح المعالم.
ما المانع أن يكون داخل إطار المعارضة الديمقراطية فريق ذو مرجعية يسارية أو اجتماعية؟ وآخر ذو توجه ليبرالى؟ وثالث ينتمى للتيار الإسلامى الديمقراطى والمتمسك بالدولة المدنية الحديثة؟
شخصيا لا أرى أن قدرا من الخلاف والتباين فى صفوف المعارضة أمر سيئ بل قد يكون فرصة لتجاوز كثير من أخطاء المرحلة الماضية: المبالغة فى طمس الخلافات، والاندفاع إلى الاستقطاب المدنى/ الدينى، وتجاهل القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وبناء التحالفات والشراكات على أساس هذا الاستقطاب وحده، وغياب آليات واضحة للقيادة والتنسيق. كل هذه مشاكل علينا انتهاز الفرصة من أجل التخلص منها حتى يمكن بناء معارضة قوية وفعالة ومتماسكة بالفعل لا بالقول وحده.
لا تخشوا من إعادة تشكيل التحالفات السياسية على أسس أكثر شفافية ووضوح لأن الاستمرار فى الوضع الحالى يؤدى إلى كبت التناقضات بداخلها ثم انفجارها حينما تكون اللحظة غير مواتية.