ضد النظام
الأب رفيق جريش
آخر تحديث:
السبت 11 يونيو 2016 - 9:00 م
بتوقيت القاهرة
يطفو هذه الأيام على سطح السياسة العالمية مصطلح «ضد النظام Antiــsystem» أو«ضد المؤسسة AntiــEstablishment» أما فى بلادنا الشرقية فهذه المصطلحات غير مستحبة، فهى أوتوماتيكيا تترجم بأنها ضد رأس الدولة أو مؤسساتها المختلفة وتكدر السلم الاجتماعى إلى آخره... بينما هو مصطلح غربى فى الأساس ظهر إبان الحرب العالمية الثانية ثم ظهر مجددا فى الصحافة البريطانية عام 1958 ويعنى الوقوف ضد النُظم السياسية والاجتماعية التقليدية وأطلق المصطلح فى البداية على الأعمال الفنية غير الكلاسيكية، ثم أخذ فى بريطانيا منحنى السخرية من قبل الكتاب الساخرين (ساركزميه) مثل بيزكوك والطبقات الشعبية العاملة التى تسخر من المؤسسات التى تحكم وتتحكم فيهم مثل الملكية أو الكنيسة أو حجرة اللوردات غير المنتخبين.
أما فى الولايات المتحدة الأمريكية فهى تعنى الطبقة الحاكمة المسيطرة على المجتمع ومؤسساته، ويرى صموئيل هنتجتون ــ صاحب كتاب صدام الحضارات ــ أن مقياس نجاح الرئيس هو قدرته على تحريك وحشد المؤسسات الرئيسية فى المجتمع والحكومة والشخصيات النافذة فى المؤسسات المختلفة وهذا ما كان يناهضه بعض النشطاء من دعاة الحرية مثل مارتن لوثر كينج ــ جونيور ــ وهواردز زين ومالكوم إكس وغيرهم.
مع ثورة الشباب فى الستينيات ظهر هذا المصطلح مجددا مع الدعاوى المتزايدة للحرية الشخصية المطلقة فظهرت فى ذلك الوقت مجلة البلاى بوى الإباحية الشهيرة والهيبز وكذلك معارضة شبابية ضد الحرب فى فيتنام وضد الفقر والحرب الباردة وضد ميزانيات التسليح وصاحب ذلك موضة التيشرتات والجينز وللأسف المخدرات والكحوليات والتسكع والتشرد لدى الشباب الثورى من تلك الحقبة. أما فى آخر التسعينيات فظهر مصطلح «ضد المؤسسة» لدى أحزاب الخضر الذين حاربوا المؤسسات التى تلقى النفايات فى البحار وما إلى ذلك من تلويث البيئة، أما فى الربيع العربى فظهر مصطـلح «ضد النظام» فى الميادين ولكن سرعان ما اختفى بعد أن أنكشف الذين سطو على هذه الثورات.
وفى يومنا هذا يظهر المصطلح بقوة مع تمادى وصعود أقصى اليمين (مما نسميه نحن اليمين المتطرف) فى إسبانيا والنمسا وفرنسا وألمانيا وأخيرا إيطاليا حيث إن المرشحة الأوفر حظا بعمادة روما فيرجينيا راجى (37 سنة) فهى ضد فساد الدولة العميقة والمحليات والمافيا واحتكار شركات المقاولات وغيرها ولكن هؤلاء هم أيضا ضد المسلمين والهجرة والوحدة الأوروبية، أما فى الولايات المتحدة الأمريكية فظهر دونالد ترامب المرشح الجمهورى ليقدم نفسه إنه غير تقليدى «وضد النظام» وبالتالى ضد الهجرة وضد المسلمين ويقسم أنه سيبنى سورا مع حدود المكسيك بينما على نقيضه هيلارى كلينتون المرشحة الديمقراطية فهى تعد بالحفاظ على مؤسسات الدولة خاصة المالية ورعاية مصالحها والحفاظ على السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية الثابتة.
مصطلح «ضد النظام» أو «ضد المؤسسة» هو مصطلح براق وعلينا أن نكون حذرين فى استعماله خصوصا فى شرقنا العربى وإن كان المعنى نبيل شكلا إلا أن الفوضوية تتمكن منه وتسقطه لذا من الأفضل للمؤسسات أن تعمل جاهدة لتغير نظمها البيروقراطية من الداخل وتعمل فى إطار القانون ولا تحمى فسادا أو فاسدا وتطور وتحدث من نفسها وتواكب العصر.