حتى لا تضطرى للانتحار
غادة عبد العال
آخر تحديث:
الأحد 11 يوليه 2010 - 10:38 ص
بتوقيت القاهرة
«إلهى يقع على زوره ويتشك فى جفونه ويتعض فى ضوافره ويتخرشم فى بنكرياسه، ومناخيره تقع فى قفاه اللى يقول على أى بنت كلمة (عانس)».. أما وقد بدأنا بهذا الاستهلال البديع خلينا نعمل مقدمة.. نحن نعيش فى مجتمع يعشق الكلمات الكبيرة.. «فى الحقيقة وفى الواقع».. والكثير من الجمل الرنانة.. «الوحدة الوطنييية».. «الانفجاااار السكااانى».. «أزمة الزوااج».. وفى معظم الأحيان إذا توقف المتحدث للحظة وركز فى اللى بيقوله.. هيلاقى إن معظم الكلام الكبير اللى بيستخدمه هو أصلا مش فاهم معناه.. (فيه حد مثلا ممكن يقدم لك تعريفا محددا لموضوع «الوحدة الوطنية» ده؟.. ثم إزاى يبقى عندنا «انفجار سكانى» ومعاه فى نفس ذات الوقت «أزمة زواج» هه؟)..
إلا أن البعض يستمر فى استخدام تلك المصطلحات عميانى، تبعا لمبدأ «نحن على دين آبائنا ومادام هم استخدموها هنفهم احنا أكتر منهم يعنى؟».. من المصطلحات دى مصطلح «العنوسة» .. تلك الكلمة السخيفة التى اخترعها أحدهم (إلهى لا يربح لا فى دنيا ولا فى آخرة) وأدمن البعض استخدامها محاولين إقناعك أنها المصطلح المناسب لوصف ظاهرة «تأخر سن الزواج عند الجنسين»، بينما تدرك أنت والجميع أن عبء هذا المصطلح السخيف يقع على عاتق الفتاة وحدها.. المصطلح المناسب للرجل هو «أعزب» مهما طال زمن عزوبته.. أما هى فهى «عانس» بمجرد أن تتخطى عتبة الثلاثين.. والعانس فى الثقافة المصرية هى زينات صدقى.. هى عائشة الكيلانى.. هى فتاة قبيحة.. غريبة الأطوار.. غبية.. حمقاء.. مثيرة للشفقة.. غير مرغوب فيها.. تطارد الرجال فى بنايتها وفى شارعها وربما فى وسائل المواصلات لأنها هههه «عانس».. تلك الكلمة المهينة والمعانى الكامنة وراءها هى الدافع الرئيسى لانتحار 2700 فتاة العام الماضى، حسب إحدى الإحصاءات، آخرهن أستاذة جامعية فى الأربعين ألقت بنفسها من الدور الثالث..
طب إيه اللى يخلى أى بنت تفقد الأمل لدرجة تدفعها للانتحار؟.. «يمكن قرايبها اللى كل أما يشوفوها يمصمصوا شفايفهم ويقولولها ربنا يعدلهالك؟.. يمكن جيرانها اللى بيقولوا مادام لسه قاعدة يبقى أكيد فيها إنه؟... يمكن صاحباتها اللى بقوا يخافوا منها على أزواجهم فنبذوها ؟.. يمكن أهلها اللى بيزنّوا عليها تقبل أى حد يتقدملها حتى لو غير مناسب؟ يمكن لأن الكل حسسوها إنها مالهاش أى قيمة بدون زواج.. يمكن سبب من دول ويمكن كلهم.. لكن الأكيد إن المجتمع كله بيمارس ضغوط زى دى كل يوم على بنات ناجحات وجميلات وذوات أصل طيب..»، يصر الإعلام على وصمهن بكلمة أقل ما يقال عنها إنها «شتيمة» ويأبى إلا أن يسخر منهن فى كل فرصة ومناسبة للاستظراف.. يحملهن الجميع مسئولية اقتصاد فاشل وشباب سطحى ومجتمع فقد إنسانيته فأصر أعضاؤه على تحميل أضعف عناصره مسئولية فشل الجميع.. والضغط بيولد اكتئاب.. والاكتئاب قد يتطور لانتحار.. لكن لأ.. عزيزتى الشابة التى تخطت الثلاثين.. بما إن الشقق بقت نار وجرام الدهب بأه بـ200 جنيه والرجالة بمعناهم الصحيح نصهم راح فى حرب 73 وربعهم راح فى زلزال 92 والربع الباقى راح السعودية وهو راجع غرق فى العبارة..
فاحنا قاعدين مع بعض شويتين.. ولهذا يجب علينا تطوير مهارات المقاومة ضد هذا المجتمع اللئيم.. خليكى قوية وبطلى ضعف.. ما تديش لحد خدك التانى وردى الصاع صاعين.. السن بالسن والعين بالعين وانت لازم تعورى كل اللى يحط صابعه فى عينيكى.. اللى يقولك كلمه ردى عليه بعشرة.. ما هو واضح إنه مش هينفع معاهم غير كده.. اللى تقولك إنت طولتى فى القاعده كده ليه؟.. قوليلها وانت دخلك إيه؟.. اللى تقولك هو انت مش ناوية تتجوزى بأه؟.. قوليلها وانت مش ناوية تخليكى فى حالك بأه؟.. اللى تقولك مش تشدى حيلك؟.. قوليلها واللى شدوه يعنى اتنصفوا؟ ما انت قدامى أهه.. هيقولوا عليك لسانك طويل.. هيقولوا عليك مش متربية.. يقولوا.. ما هم كده كده بيقولوا.. طالما الكل بييجى يرمى دبش فى وشك ويروح مرتاح البال.. لأ بأه.. كونى ذئبا حتى لا تأكلك الكلاب.. يمكن يحلوا عن دماغك.. يمكن يبطلوا حرق لأعصابك.. يمكن يبصوا لنفسهم ويسيبوكى فى حالك.. تعيشى وتشتغلى وتنجحى لحد ما تلاقى شريك حياتك أو تكمليها بدون ما تدبسى نفسك فى اختيار خاطئ أو تضطرى للانتحار لمجرد الهروب من أن توصمى بكلمة «عانس».