الجامعة العربية.. وأزمة البحث عن بديل

فاروق جويدة
فاروق جويدة

آخر تحديث: الأحد 11 يوليه 2010 - 10:27 ص بتوقيت القاهرة

 بعد أكثر من ستين عاما هى عمر جامعة الدول العربية هل أصبح من الضرورى الآن البحث عن نظام عربى بديل.. هل انتهى العمر الافتراضى لجامعة الدول العربية بيت العرب وآخر حصونهم المتهاوية.. إذا كان إنقاذ جامعة الدول العربية أمرا صعبا بل مستحيلا فما هو البديل الممكن أمام الماضى المستحيل؟. فى الأيام الأخيرة شهدت العاصمة الليبية قمة مصغرة شارك فيها عدد قليل من القادة العرب وكانت القضية المطروحة ما هو النظام العربى البديل الذى يمكن تنفيذه فى السنوات المقبلة ليجمع صف الدول العربية مرة أخرى حول كيان واحد..

لم يكن الطرح جديدا ولم تكن القضية شيئـا غريبا فقد ناقشت قمم سابقة هذا الخيار وإن لم تصل إلى شىء فيه.. لابد أن نعترف أن جامعة الدول العربية شاخت وترهلت وأصابتها كل الأمراض المزمنة أمام واقع عربى متشرذم جعل من الصعب اتفاق العرب على شىء.. أصبح من السهل أن تجمع أطرافـا كثيرة وأن تجد لقاءات هنا ولقاءات هناك ولكن الذى فرق العرب أصبح أكبر بكثير من كل ما جمعهم.. كانت هناك أسباب كثيرة وراء التشرذم العربى ــ سواء تم ذلك من خلال مؤامرات دولية شاركت فيها أطراف كثيرة أو من خلال خلافات بين القادة العرب وصلت بهم إلى ما نحن فيه الآن..

هناك تاريخ طويل سبق الحالة التى وصلت إليها جامعة الدول العربية من التراجع فى الدور والمسئولية.

لقد وقف العالم العربى أمام أزمات كثيرة مرت بها المنطقة دون أن يبدى رأيا أو يشارك فى قضية أو يمنع كارثة.. أخذ القادة العرب مواقع المتفرجين فى أخطر الأحداث التى مرت بها هذه الأمة فى تاريخها الحديث.

طوال العشرين عاما الماضية كانت الانكسارات التى واجهتها الدول العربية أكبر دليل على فشل السياسات وسلبية المواقف.

ولا أدرى من أين نبدأ.. هل من الثمانينيات حينما أطاحت الحرب العراقية الإيرانية بموارد العراق وثروته البشرية ودفعت فيها دول الخليج آلاف الملايين من الدولارات تحت دعوى صد الهجوم الفارسى القادم.. كانت الحرب العراقية الإيرانية واحدة من أكبر المهازل فى تاريخ العرب الحديث..
وبعد ذلك جاء اجتياح إسرائيل للبنان دون أن تضع أى حسابات للموقف العربى ودارت الحرب الأهلية فى لبنان ودمرت كل إمكانات لبنان الاقتصادية والبشرية.. وفى هذا الوقت دمرت إسرائيل المفاعل النووى العراقى ولم يتحرك أحد.

وفى هذا السياق جاء الخروج الأكبر للمقاومة الفلسطينية من الأرض اللبنانية وانتقال الفلسطينيين إلى تونس.

هذا الواقع العربى القبيح والمتشرذم ترك آثارا بعيدة على دور جامعة الدول العربية خاصة بعد أن تركت مقرها فى القاهرة بعد كامب ديفيد لتستقر فى العاصمة التونسية..

لم تستطع جامعة الدول العربية التصدى لكل هذه الأزمات والحروب والمعارك خاصة أن دخول القوات العراقية الكويت واحتلال أراضيها كان يمثل الضربة القاضية للنظام العربى ممثلا فى جامعته التى عجزت عن إدانة هذه المواقف الشاذة والغريبة.

فى الوقت الذى اشتعلت فيه المواجهات العسكرية كانت الحروب الأهلية تدور فى لبنان والجزائر والسودان واليمن والصومال.

وتطورت الأحداث بصورة دامية حين اقتحمت القوات الأمريكية عاصمة الرشيد واحتلت العراق فى مشهد مأساوى رهيب.. ولم يتردد الجيش الأمريكى فى أن يمارس أعمال القتل الوحشى ضد المدنيين والأطفال.. وكانت قمة المأساة فى عرض جثث أبناء صدام حسين وحفيده ثم جاء الدور على الرئيس العراقى لتكتمل فصول المأساة.. حدثت كل هذه الكوارث والعالم العربى غارق فى صراعاته وحروبه الأهلية ولم تستطع جامعة الدول العربية أن تغير من هذا الواقع الدامى شيئا..

تركت الحكومات العربية الساحة كاملة للقوات الأمريكية فى العراق بينما كانت الحروب الأهلية تدور فى أكثر من دولة عربية..

كان هذا على مستوى الصراع العربى..
أما الصراع العربى ــ الإسرائيلى فقد أخذ أشكالا وصورا كثيرة وإن كان أخطرها تلك الخطوة التى اتخذتها القيادة الفلسطينية بالتفاوض مع إسرائيل فى بداية التسعينيات..

تركت الدول العربية للقيادة الفلسطينية كامل حقها فى أن تتفاوض مع إسرائيل خاصة أن زعيم المقاومة الفلسطينية ياسر عرفات كان صاحب القرار فى هذه الخطوة الجريئة.. كان من الصعب أن يتدخل طرف عربى أيا كان فى هذه المفاوضات أمام إجماع فلسطينى على ضرورة المضى فى طريق السلام..

ومضت سنوات طويلة ولم يصل الفلسطينيون إلى شىء، وأدى ذلك فى نهاية الأمر إلى انقسام الصف الفلسطينى خاصة بعد رحيل اثنين من رموز نضاله هما ياسر عرفات والشيخ أحمد ياسين، جاء الصراع بين حماس وفتح نتيجة طبيعية لفشل المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.. وكان موقف الحكومات العربية موقفـا غريبا ومريبا من الانتخابات الفلسطينية التى جاءت بحماس ولكن رد الفعل العربى كان متوقعا أمام الرفض الأمريكى الإسرائيلى مجرد الحديث مع حماس.

لقد غابت الجامعة العربية عن كل هذه الأحداث فى الساحة الفلسطينية حتى جاءت المبادرة العربية لتساند الموقف الفلسطينى ضد إسرائيل وتضع خطة السلام القادم.

لم تعترف إسرائيل بما تم بينها وبين الفلسطينيين من اتفاقيات ولم تعمل إسرائيل من أجل نجاح مبادرة السلام العربية التى صدرت فى قمة بيروت.. ولم تتردد إسرائيل فى إعلان الحرب على غزة من أجل القضاء على كل صور وأشكال المقاومة الفلسطينية خاصة حماس التى أصبحت الممثل الشرعى للشعب الفلسطينى من خلال صناديق الانتخابات وليس بقوة السلاح.

رغم أن المبادرة العربية خرجت من الجامعة العربية إلا أن المبادرة دخلت أرشيف التاريخ أمام التعنت الإسرائيلى ورفض كل محاولات السلام.

كان من الصعب جدا أن يكون للجامعة العربية دور واضح وصريح فى ظل هذا المناخ.. احتلال للأراضى العربية.. حروب أهلية فى أكثر من دولة.. صراعات بين ممثلى الشعب الفلسطينى أطاحت بكل ثوابت قضيته، صراعات بين الحكام العرب للبحث عن أدوار.. وقبل هذا كله إصرار الإدارة الأمريكية وإسرائيل على تحجيم القدرات العربية وشل إرادتها فى كل المجالات.

تراجعت مشروعات الوحدة الاقتصادية لتبقى الأسواق العربية مفتوحة طوال الوقت للإنتاج الأمريكى الاوروبى فى كل السلع.. مع طفرة البترول وزيادة دخل دول النفط كانت هناك مشروعات ضخمة فى دول الخليج استطاعت أمريكا أن تحصل على نصيب الأسد منها خاصة فى تعمير الكويت وإعادة إعمار العراق ونهب ثرواته.. واحتكار الكثير من الأنشطة الاقتصادية فى دول الخليج وقبل هذا كله كانت صفقات السلاح والمحطات النووية ووسائل النقل الحديثة تمثل أكبر الصفقات التجارية التى شهدتها هذه الدول طوال تاريخها الحديث والقديم معا.

استطاعت أمريكا أن تحصل على نصيب الأسد فى البترول العربى سواء بالتفاهم كما حدث مع دول الخليج أو بفرض القوة والوصاية كما حدث مع بترول العراق.. لقد عاد الاستعمار الغربى بوجه جديد معاصر يتحدث عن العولمة ولقاء الحضارات والتكنولوجيا المتقدمة وترسانات السلاح الذى لم يستعمل والسلع الاستهلاكية الرهيبة. هنا أيضا تعثرت العلاقات بين الدول العربية وتغيرت الأدوار والمواقع ولم يعد الكبير كبيرا ولا الصغير صغيرا.
كان من الطبيعى جدا أن تشهد الساحة العربية انقسامات حادة بل إن الحروب الأهلية كانت من أخطر نتائج الصراع فى هذه المنطقة.. وبجانب هذا كانت إسرائيل تمارس كل ألوان الإرهاب ضد الشعب الفلسطينى أمام تأييد أمريكى كامل وسلبية غير مسبوقة فى الموقف العربى فى ظل مؤامرة دولية لمنع كل فرص التقدم والازدهار فى العالم العربى.

لاشك أن الفرص الضائعة كانت نتيجة طبيعية لتراكمات كثيرة فى دائرة القرار العربى اتسمت بالعجز والترهل وقله الحيلة.. فى ظل هذا الانقسام بدأت بعض الدول العربية تعيد حساباتها على أساس من التمرد على ما يسمى الإجماع فلم يعد أحد حريصا على هذه النغمة النشاذ.. هنا ظهر مجلس التعاون الخليجى فى محاولة لجمع الشتات بين دول الخليج العربى.. وهنا أيضا بدأت كل دولة تبحث عن مصالحها حتى مع الأعداء.. وخرجت دول أخرى من منظومة الاتفاق العربى لتبحث عن دعم مع دول أخرى كما حدث بين سوريا وإيران والسلطة فى غزة وتركيا أو إيران أيضا..

كان التشرذم العربى هو النهاية الواضحة والصريحة لحالة الترهل التى أصابت جامعة الدول العربية.

لم تكن جامعة الدول العربية هى المسئولة عن كل ما جرى للعالم طوال نصف قرن من الزمان فلا هى شاركت فى حروبه الأهلية ولا هى افتعلت الأزمات ولا هى التى جعلت القادة العرب وأصحاب القرار يفرطون فى المسئولية تجاه شعوبهم وأمتهم.. ومن هنا لا ينبغى أبدا أن نلقى مسئولية الأحداث على الجامعة العربية لقد كانت صدى لهذا المناخ القبيح الذى اجتاح أركان هذه الأمة وفرق شملها واستباح ثرواتها وأضاع هيبتها.

إن أخطر ما يواجه العالم العربى الآن هو حالة العجز التى جعلت الدول العربية شعوبا وحكومات غير قادرة على تغيير واقعها السيئ وظروفها الصعبة.

إن الفشل لم يكن فقط من نصيب واقع سياسى مترهل ولكن هذا الفشل اجتاح مجالات أخرى لعل أهمها وأخطرها حالة التخلف التى أصابت الشعوب العربية.. إن أعلى نسبة فى الأمية فى العالم توجد فى الدول العربية كما أن تراجع مستوى التعليم وانتشار البطالة وزيادة معدلات الفقر وانخفاض مستوى الرعاية الصحية وسوء حالة الخدمات كل هذه الظواهر السلبية تؤكد فشل الحكومات وليس فشل جامعة الدول العربية..

من هنا فإن الإصلاح الحقيقى يجب ان يبدأ فى الحكومات وليس فى الجامعة العربية.. إن الجامعة العربية تعكس صورة المناخ الذى تعيش فيه.. فإذا تقدم تقدمت.. وإذا تخلف تخلفت وإذا شاخ ترهلت.. من هنا فإن البحث عن بدائل للجامعة العربية خداع للنفس لأن المناخ الذى أفسد الجامعة العربية يمكن أن يفسد أى شىء آخر.

إذا كانت بعض الدول العربية تسعى لتجربة بديلة للجامعة العربية فإن ذلك سوف يفتح أبوابا جديدة لتشرذم عربى جديد وانقسامات أوسع.. وفى ظل حالة التشرذم التى يعانى منها العالم العربى الآن فإن طرح فكرة استبدال الجامعة العربية بمنظومة أخرى سوف يكون سببا فى زيادة حدة الأزمات العربية لأن إصلاح الجامعة العربية يرتبط بإصلاح المناخ العام وهذا المناخ لا يشجع على شىء على الإطلاق.

لقد فشلت جميع برامج الإصلاح السياسى فى الدول العربية أمام أساليب البطش والتسلط التى تمارسها الأنظمة العربية ومن هنا لا يوجد احترام لحقوق الإنسان فى ظل تداول حقيقى للسلطة وانتخابات نزيهة وتنظيمات سياسية مشروعة.

وبجانب هذا فإن التشرذم الثقافى أصبح ظاهرة خطيرة أمام محاولات الغزو الفكرى والثقافى والتى أخذت أشكالا كثيرة فى ظل العولمة.

إن الإنسان العربى هو الثروة الحقيقية وهو الاستثمار الأمثل فى ظل حضارة تغير أشكالها كل يوم.. إن هذا الإنسان المقهور لا يستطيع أن يلحق بركب التطور العالمى وهو يعيش فى السجون والمعتقلات ولا يجد رغيف يومه.. وقد شجع على ذلك هذا التفاوت الطبقى الرهيب بين من يملكون كل شىء ومن لا يملكون أى شىء.

إن أكبر تهديد تتعرض له الأمة العربية هو ثقافتها فى ظل مؤامرات خارجية تستهدف هذه الثقافة.. إن أخطر ما فى هذه الثقافة أنها تمثل وجها ثقافيا وآخر دينيا ومن هنا يجب أن نحافظ على هويتنا الثقافية ممثلة فى الدين والتاريخ واللغة.

لكن الغرب يحاول التشكيك فى الثقافة العربية ويتهمها بأنها ثقافة إرهاب ولاشك أن الغرب لن يتركنا وسوف يوجه لنا كل السهام. إن الغرب لا يريد لنا ديمقراطية حقيقية أو رخاء نعيش فيه أو خدمات توفر للناس الحياة الكريمة أنه يسعى إلى تشتيت هذه الأمة بحيث لا تجتمع على شىء ما حتى تظل إسرائيل هى الدولة الكبرى.. إن إسرائيل الدولة الصغيرة سوف تكبر كلما تشرذمت الأقطار العربية وسوف تكون أكثر استقرارا كلما اختلفت القيادات العربية وسوف تكون هى الأقوى كلما تصدعت القدرات العربية.

ومن هنا يجب أن ندرك أن تصفية الجامعة العربية ليس هو الحل لأن البحث عن بديل لها قد يكون أكثر خطرا من وجودها.. يجب ان تبقى جامعة الدول العربية ونحاول تطويرها وإصلاح المناخ السياسى الذى أفسدها وأفسد حياتنا معها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved