الأمن المائى فى سوريا: مستقبل غامض تحكمه تركيا
مواقع عربية
آخر تحديث:
السبت 11 يوليه 2020 - 9:05 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع 180 مقالا للكاتب «علاء حلبى»... نعرض منه ما يلى:
على مدى السنوات الماضية شكل منسوب مياه الفرات أحد أبرز القضايا الشائكة المهددة للأمن المائى السورى، حيث تعمد أنقرة إلى استغلاله كسلاح فى حربها مع الأكراد من جهة، وكأداة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من جهة أخرى، الأمر الذى يتجلى بزيادة كميات المياه الواردة فى فصل الشتاء بالتزامن مع امتلاء السدود ما يمثل تهديدا لهذه السدود، وتخفيض كميات المياه فى فصل الصيف ما يؤدى إلى جفاف كبير فى مناطق حوض الفرات، وما يتبعه من خسائر اقتصادية كبيرة فى قطاعى الزراعة والثروة السمكية، إضافة إلى المخاطر التراكمية التى تنذر بكوارث مستقبلية.
تركيا تسيطر على منابع أبرز الموارد المائية التى تغذى سوريا والعراق (الفرات، ودجلة). وتمثل مياه حوضى الفرات ودجلة والخابور نحو 56 فى المئة من المياه السورية... رفضت تركيا اعتبار الفرات ودجلة نهرين دوليين، اذ أصرت على أنهما نهران عابران للحدود فى مخالفة للقوانين الدولية الناظمة، الأمر الذى يعتبر أحد أبرز الملفات الخلافية بين سوريا وتركيا، قبل أن يوقع البلدان العام 1987 اتفاقا مؤقتا بعد صراع أمنى شكلت قضية الأكراد أحد أبرز محاوره. ويقضى الاتفاق بأن تسمح تركيا بمرور ما لا يقل عن 500 متر مكعب فى الثانية، على أن تمرر سوريا للعراق ما لا يقل عن 58 فى المئة من هذه الكمية إلى العراق بموجب اتفاق لاحق تم توقيعه.
ومنذ توقيع الاتفاقات لم تلتزم تركيا بشكل كامل بها، حيث قامت خلال فترات متلاحقة بقطع المياه تارة، وتقليل كميات المياه الواردة إلى سوريا والعراق تارة أخرى، وقد ارتبط هذا الملف بالتطورات السياسية وطبيعة العلاقات التركية السورية التى تدهورت بشكل كبير إثر اندلاع الحرب العام 2011.
ومع تدهور العلاقات السورية ــ التركية، عادت تركيا مرة أخرى إلى التلاعب بكميات المياه الواردة إلى سوريا واستعمالها كسلاح فى حربها، سواء مياه نهر الفرات، أو حتى مياه الشرب، حيث قطعت مياه الشرب عن نحو 450 ألف شخص فى محافظة الحسكة أكثر من مرة خلال الشهور الماضية عن طريق إغلاق خطوط المياه فى محطة العلوك التى تغذى رأس العين والحسكة.
إضافة إلى ذلك، تعمل تركيا بشكل متزايد على تحصين أمنها المائى عن طريق إقامة السدود (مشروع «GBA» المتضمن إقامة 22 سدا و19 محطة كهرومائية لاستصلاح 1.9 مليون هكتار على نهرى دجلة والفرات)، الأمر الذى أثر بشكل كبير على كميات المياه المرسلة إلى سوريا والعراق.
ويشكل الأمن المائى بالنسبة لتركيا تحديا مستقبليا كبيرا فى ظل الدراسات التى تشير إلى ارتفاع درجات الحرارة بين 2.5 و3.5 درجة مئوية وانخفاض كميات الأمطار بين 25 و35 فى المئة مع حلول العام 2100، وما يرافق هذه التغيرات من تأثير كبير على الموازنة المائية فى تركيا.
وفى ظل هذه التوقعات، وبالنظر إلى السياسة التركية الحالية، وعدم وجود اتفاقية واضحة حول نهرى الفرات ودجلة، من المتوقع أن تستمر تركيا فى تخفيض كميات المياه الموردة من هذين النهرين إلى سوريا والعراق، لتغطية النقص المتوقع لديها، الأمر الذى سيؤدى بدوره إلى نتائج كارثية على البلدين.
وإضافة إلى ذلك تعانى سوريا من مشكلة تلوث المياه بسبب تسرب النفط فى حوض الفرات جراء الاعتداءات التى طالت بعض آبار النفط، وتعانى أيضا من مشكلة الاستخراج غير المنضبط للمياه الجوفية فى المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، والاعتماد الكبير على المياه الجوفية فى بعض المناطق لتأمين احتياجات السكان، وتوقعت دراسات عدة أن يصل العجز المائى فى سوريا إلى حدود 6.2 مليار متر مكعب مع حلول العام 2050.
وتسببت الحرب بدمار كبير فى البنية التحتية فى سوريا، حيث توقفت معظم محطات معالجة مياه الصرف الصحى، فى ظل عدم توافر قطع الغيار وانقطاع التيار الكهربائى بسبب الدمار الذى لحق بقطاع الطاقة إضافة إلى النقص المتواتر للوقود سواء بسبب خروج أبرز حقول النفط عن سيطرة الحكومة أو بسبب العقوبات الأوروبية والأميركية التى تضيق الخناق على عمليات استيراد المحروقات.
وعلى الرغم من المستقبل المائى القاتم فى سوريا الذى يحكمه المزاج والمصالح التركية، يظهر الأثر الأكبر والمباشر للسياسة التركية فى الوقت القريب على العراق وسط توقعات بجفاف شديد الوضوح لنهر الفرات باتجاه الجنوب مع حلول العام 2025، وتحول نهر دجلة إلى مجرى مائى محدود الموارد.
النص الأصلى: هنا