نشر مركز بيجن ــ سادات للدراسات الاستراتيجية، مقالا للجنرال غيرشون هاكوهين، والذى خدم فى جيش الدفاع الإسرائيلى لمدة 42 عامًا، كما قاد القوات فى معارك ضد مصر وسوريا. يقول الجنرال فى مقاله: إن هناك تهديدات جديدة تواجه إسرائيل لكنها ليست بتهديدات لوجودها، وبناء عليه اعتمد قادة الجيش على عقيدة قتالية جديدة تستخدم التكنولوجيا الفائقة لتقليل الخسائر بين الجنود فى مواجهات استنزاف طويلة الأمد.. نعرض منه ما يلى. اندلعت حرب الاستقلال على خلفية رفض الدول العربية واللجنة العربية العليا الممثلة للشعب الفلسطينى خطة التقسيم التى طرحتها منظمة الأمم المتحدة عام 1947 وانتهت فعليا عام 1949، ومنذ انتهاء هذه الحرب ظهرت فكرة «التهديد الوجودى» لدولة إسرائيل وأصبحت معيارا حاسما فى تقييم الوضع الأمنى الإسرائيلى وفى تقرير متى يمكن اتخاذ قرار الحرب من عدمه.
لكن فى كل عيد استقلال، يؤكد رؤساء جهاز الدفاع بأنه على الرغم من التحديات الأمنية، إلا أن إسرائيل ليست تحت «تهديدا وجوديا» بما تحمله الكلمتان من معنى. وفى غضون ذلك، ظهرت تهديدات جديدة ليست أقل تعقيدًا أو خطورة من التهديد الوجودى.
على سبيل المثال، كانت حرب أكتوبر 1973 صراعًا وجوديًا بلا شك على الرغم من حقيقة أن الرئيس المصرى أنور السادات قد حدد هدفًا محدودًا لها تمثل فى عدم تهديد وجود إسرائيل، بل توجيه ضربة قاسية إلى وضعها ومفهومها الأمنى واسترداد سيناء. لكن كان لإنجازاته العسكرية والدبلوماسية تأثير كبير على أنواع التهديدات التى ظهرت ضد إسرائيل منذ ذلك الحين.
فى شكلها العلنى، لم يُنظر إلى هذه التهديدات الجديدة على أنها تشكل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل. ولهذا السبب، تم خرق الإجماع الذى كان سائدا فى المجتمع الإسرائيلى بشأن المخاطر التى من أجل مواجهتها يجب على إسرائيل الاستعداد لخوض حرب والتضحية بحياة جنودها.
فى ضوء هذا التحول فى المواقف والصعوبة الواضحة فى اتخاذ قرار الحرب من عدمه، انخفض الاستعداد للتضحية بشكل متزايد فى الخطاب الإسرائيلى، ولكن وقت الحرب الفعلى، من المتوقع أن يظهر الجيش الإسرائيلى نفس روح الإخلاص والإيمان والاستعداد للتضحية التى ظهرت فى الحروب السابقة.
فى غضون ذلك، تبنى أعداء إسرائيل الجدد ــ حزب الله، وحماس، والحرس الثورى الإسلامى الإيراني ــ نوعًا جديدًا من الحرب لا يهدف إلى القضاء على إسرائيل وتهديد وجودها، بل يهدف إلى إنهاكها فقط. وهدفهم هو منع إسرائيل من تحقيق الاستقرار والازدهار وتفاقم التوترات التى رافقت الدولة منذ نشأتها إلى حد الانهيار الداخلى. هذا التهديد، الذى لا تنظر إليه معظم إسرائيل على أنه تهديد وجودى، يشبه التهديد بانهيار جهاز المناعة فى جسم الإنسان.
بشكل عام تتأثر أى منظمة عسكرية، فى أساليبها القتالية وطرق هيكلة نفسها، بقيم وتوقعات المجتمع الذى تخدمه. وإدراكًا منهم لتذبذب المجتمع الإسرائيلى ورغبته فى أسلوب حياة غربى مدنى ليبرالى، ابتكر قادة الجيش الإسرائيلى واعتمدوا (بدءًا من رئيس الأركان إيهود باراك) على عقيدة قتالية جديدة تعتمد على التكنولوجيا المتطورة. بموجب هذه العقيدة، سعى الجيش الإسرائيلى إلى تحقيق نصر باستخدام التكنولوجيا وضمان تفوقه فيها وتقليل اعتماده على روح التضحية لدى المقاتلين والمقاتلات فى صفوفه.
لم يكن الضعف (قلة الحماس) هو ما دفع قادة الجيش الإسرائيلى إلى تطوير أساليب قتالية جديدة، ولكن إدراكهم للحاجة إلى حماية دولتهم وتقليل الخسائر بين الجنود فى القتال ضد التهديدات المتغيرة والمتمثلة فى الاستنزاف طويل الأمد. حدثت عمليات مماثلة فى الولايات المتحدة، وحتى فى الجيش الروسى عندما امتنع عن تعريض جنوده لمخاطر قتالية غير ضرورية منذ انسحابه من أفغانستان (كذلك فى تجنبه استخدام القوات البرية النظامية فى سوريا). ومع ذلك، لا يزال المجتمع الإسرائيلى يتوقع صورًا للنصر كما فى حروب الماضى مثل رفع جنود الجيش الإسرائيلى العلم الإسرائيلى فى قلب مدينة غزة.
باختصار، يحتاج المجتمع الإسرائيلى إلى إدراك أن عصر التهديدات الكبيرة قد انقضى وأن إسرائيل لم تعد بحاجة إلى أن تكون «أمة معبأة» بعد الآن.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زردالنص الأصلى: