الحزب الديمقراطى غير ديمقراطى
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الخميس 11 يوليه 2024 - 6:10 م
بتوقيت القاهرة
على مدار تاريخه الحديث، لم تهتز وحدة الحزب الديمقراطى بالصورة التى يشهدها حاليا، إلا مرتين. الأولى عندما ظهر المرشح الأسود الشاب باراك أوباما عام 2007 معلنا نيته خوض سباق الترشح الرئاسى ضد هيلارى رودهام زوجة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، ابنة إحدى أهم العائلات السياسية الأمريكية فى العصر الحديث، والابنة الوفية للحزب الديمقراطى على مدار عمرها الطويل. والمرة الثانية تمثلت فى ظهور السيناتور التقدمى بيرنى ساندرز ساعيا للترشح ضد هيلارى كلينتون فى انتخابات الحزب عام 2016.
فى حالة أوباما، حارب قادة الحزب الأقوياء ترشحه وتحديه لاختيارهم لهيلارى كلينتون. إلا أن شعبية وكاريزمية أوباما منحته قوة لم تستطع مؤسسات الحزب الوقوف فى وجهها، ومن ثم اضطر لدعمه بعدما لم يتمكنوا من هزيمته. جاء أوباما من ولاية إلينوى متخطيا عقبات جمة داخل الحزب الديمقراطى. وبعد قضاء أقل من نصف فترته (تبلغ ست سنوات فى مجلس الشيوخ)، تطلع أوباما لمنصب الرئيس الأمريكى. ولم تستطع مؤسسة الحزب الديمقراطى أن تفرض ابنتها الأهم هيلارى كلينتون زوجة بيل كلينتون أحد أنجح السياسيين الديمقراطيين المعاصرين كمرشحة للحزب. ولم يكن أوباما ليستطيع الصمود ماليا أمام إمبراطورية كلينتون إلا بمساندة ملايين الشباب وملايين من مواطنى الأقليات والتقدميين البيض ممن دعموه بدولار واحد أو خمسة إيمانا منهم بما كان يمثله من ثورة سياسية (بالمعايير الأمريكية). واستطاع أوباما الوصول للبيت الأبيض متمردا على المؤسسة الديمقراطية، ونجح فى إزاحة كلينتون من طريقه الانتخابى الوعر، وتحجيم دور المؤسسة الحزبية.
وبعد انتهاء حكم أوباما عام 2016، سعت هيلارى مجددا لتحقيق حلمها بالبيت الأبيض، ليس كسيدة أولى كما كانت بين عامى 1992 ــ 2000، بل كأول رئيسة لأقوى دول العالم. إلا أن سعى كلينتون اصطدم برغبة السيناتور ساندرز بالظفر ببطاقة الحزب الرئاسية. وعرف الحزب الديمقراطى انتخابات تمهيدية عاصفة تكتل فيها قوى الحزب التقليدية ومؤسساته ولجانه الرسمية ضد رغبات تيار الشباب واليسار.
واضطر ساندرز للانسحاب وفازت كلينتون بالترشح قبل أن يهزمها المرشح الجمهورى دونالد ترامب.
• • •
ويعكس المثالان السابقان معضلة الحزب فى ظل غياب آلية شفافة وعادلة حال توافر مرشح ترغب قيادات الحزب فى دفعه للفوز بترشح الحزب. وحال عدم وجود مرشح مفضل لنخبة الحزب يكون السابق حرا لحد كبير كما كان فى حالة بيل كلينتون أو جيمى كارتر من قبله.
ولهذا السبب تحديدا، لم يظهر أى منافس ذى قيمة ليتحدى رغبة بايدن فى السعى للفوز ببطاقة الحزب لفترة حكم ثانية تنتهى وعمره 86 عاما. ولهذا السبب اضطر روبرت كينيدى إلى الترشح كمستقل، وانعدمت المنافسة. ولم يواجه بايدن ماريان ويليامز، الكاتبة والمؤلفة غير الشهيرة، والنائب الشاب دين فيليبس الذى لا يعرف أحدا خارج دائرته بولاية مينيسوتا. ولم يتعرض بايدن للمواجهة القوية فى أى انتخابات تمهيدية فى أى من الولايات الأمريكية، إذ لم يتجرأ أى سيناتور قوى أو حاكم ولاية له شعبية فى تحدى مؤسسات الحكم والإعلان عن رغبته فى الترشح رغم إدراكهم لضعف ووهن بايدن.
ورغم تعهد بايدن خلال حملته السابقة بالحكم لفترة واحدة، وإتاحة المجال لجيل شاب بعد ذلك، تقف قيادات الحزب حتى الآن بقوة خلف رغبة بايدن فى الترشح رغم إدراكهم استحالة فوزه بعد الأداء الكارثى فى مناظرة 27 يونيو، والأداء غير المقنع منه لإصلاح ما لا يمكن إصلاحه منذ ذلك التاريخ فى سعى لإعادة ثقة الناخبين فى قدراته العقلية والذهنية والصحية.
بعد أسبوعين من إجراء الانتخابات الرئاسية فى 5 نوفمبر المقبل، يحتفل الرئيس جو بايدن بعيد ميلاده الـ 82. ولا يعد عمر بايدن استثناء بين قيادات الحزب الديمقراطى من المسنين سواء بين أعضاء مجلس النواب أو مجلس الشيوخ. وتبلغ نانسى بيلوسى، رئيسة مجلس النواب السابقة، والعضو حاليا بالمجلس 84 عاما، ويكبرها النائب ستينى هوير البالغ 85 من العمر، فى حين يبلغ عمر صديق بايدن، والنائب الأسود جيمس كليبورن 83 عاما. ولا يقتصر الأمر على مجلس النواب، إذ تخطى السيناتور بيرنى ساندرز 81 من العمر، ويبلغ عمر السيناتور ديك دوربين 80 عاما.
• • •
وحتى الآن لم تخرج قيادات الحزب عن نص الالتزام الحزبى، وتعهد كبار وقيادات مجلس النواب ومجلس الشيوخ الديمقراطيين بالوقوف إلى جانب رغبة بايدن فى الترشح. كذلك لم يُقدم أى من حكام الولايات الذين لهم طموحات رئاسية إلى الإعلان عن اهتمامهم بالترشح ناهيك عن تحدى بايدن أو التشكيك فى قدراته. كما استفاد بايدن من تصريحات الدعم العلنية من قادة الحزب الكبار مثل الرئيس السابق باراك أوباما والرئيس السابق بيل كلينتون. ويتعلل قادة الحزب بأن فوز بايدن بالانتخابات التمهيدية، وحصوله على تعهد 3900 مندوب من أصل 4 آلاف، أى ما يقرب من نسبة 99% من المندوبين بالتصويت له فى اجتماعات مؤتمر الحزب فى أغسطس المقبل، يعرقل أى محاولة للتغير.
ويعتمد هذا السيناريو المضلل على أن أى بديل آخر الآن سيضر بالحزب وتماسكه فى ظل حالة التماسك الهش بين تيارات الحزب التقدمية والتقليدية التى كشفت عنها مواقفهما المتنافرة تجاه العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة. ويتناسى هؤلاء حقيقة رغبة أكثر من 70% من الديمقراطيين فى تغيير بايدن بعد أدائه الكارثى فى المناظرة مع انعدام فرص فوزه، بل وزيادة فرص خسارة مجلسى الكونجرس كذلك بسبب بقاء بايدن.
ويمكن للحزب تجنب الفوضى فى مؤتمره العام، حيث يتضمن ميثاق الحزب أحكاما لاستبدال المرشح فى حالة الطوارئ. والغرض من هذا الإجراء هو استخدامه فى حالة الوفاة، أو الاستقالة، أو العجز، أو حالة الانسحاب الطارئ.
وهناك بعض الدعوات لحاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم أو حاكم ميشيجان جريتشن ويتمير أو حاكم ولاية بنسلفانيا جوش شابيرو، ليعبر أحدهم عن رغبته فى تحدى بايدن، لكن أيا من هؤلاء المرشحين لم يعلن أى رغبة فى استبدال الرئيس حتى الآن.
• • •
هل يفعلها بايدن ويقدم مصلحة الحزب على مصلحته ومصلحة عائلته الضيقة فى التشبث بالترشح مع انعدام فرص فوزه، أو أنه سيضع مصالح البلاد أولا ويتراجع عن الترشح؟