الشماتة.. الفرح بآلام الآخرين
دوريات أجنبية
آخر تحديث:
الخميس 11 يوليه 2024 - 6:25 م
بتوقيت القاهرة
يشعر معظمنا بالحزن عندما يرى شخصًا يتألم، ويُدعى هذا الشعور تعاطفًا. ولكن ماذا عن تلك الأوقات، التى نادرًا ما نعترف بها علنًا ــ أو حتى أمام أنفسنا ــ عندما نشعر بالسعادة إزاء خيبة أمل شخص ما، أو ضيقه، أو حتى ألمه؟ لا يقصد الكاتب ديفيد باراش والمحرر سام دريسر هنا الاستمتاع بالتسبب فى الألم (السادية)، أو اللامبالاة لضيق شخص آخر (الاعتلال النفسى)، بل شعور الرضا المصحوب بالفرح عادة، عند رؤية مشاكل شخص آخر أو التعرف عليها. ليس من السهل الاعتراف بالرضا عن رؤية آلام شخص آخر، هذا أمر مشين؛ لكن العواطف والميول (الغيرة والحسد والاندفاع) لا تختفى لمجرد أننا لسنا فخورين بها.
للتوضيح، تظهر الشماتة تجاه الناس المؤذية، سواء كانوا قرباء أو غرباء. وهناك أدلة بحثية على أن الميل إلى الشماتة يختلف عكسيًا مع احترام المرء لذاته. بمعنى أوضح، كلما زاد نجاح الأفراد أصبحوا أكثر لامبالاة تجاه أخبار الغير المؤسفة، فإنهم لا يتأثرون بكيفية أداء من هم «أدنى منهم»، وبالتالى لن يكونوا أفضل حالاً إذا واجه هؤلاء الأفراد سوء الحظ. والعكس صحيح أيضًا، فأولئك الأقل نجاحًا هم أكثر عرضة للتهديد من قِبل الآخرين، وبالتالى أكثر ابتهاجًا بسبب محنتهم.
فى سياق متصل، تقوم الشماتة على مبدأ العدالة والإصرار على معاقبة المذنبين، فيتولد شعور بالرضا عندما يحصل الأشرار على ما يستحقونه فى أذهان الأشخاص الشامتة. وهذا ما قامت عليه نهايات هوليوود الكلاسيكية التى تنتصر فيها العدالة، ويعانى الأشرار بسبب جرائمهم، ثم يشعر المشاهد بالارتياح.
لكن فى المحصلة، لم تحظ الشماتة بتغطية إعلامية جيدة. حتى إنها أثارت انتقادًا وتحذيرًا فى الكتاب المقدس (الإنجيل): «لا تفرح بسقوط عدوك، ولا يبتهج قلبك إذا عثر، لئلا يرى الرب ويسوء ذلك فى عينيه فيرد عنه غضبه». كما وصف آرثر شوبنهاور الشماتة بأنها أكثر المشاعر البشرية شرًا: «إن الشعور بالحسد هو أمر إنسانى، والشماتة هو أمر شيطانى».
فى سياق علمى، وجدت دراسة الرنين المغناطيسى الوظيفى التى أجريت فى عام 2011 على مشجعى البيسبول للفريقين «نيويورك يانكى» و«بوسطن ريد سوكس» ــ المنافسين الأسطوريين ــ أن مراكز المتعة لأعضاء المجموعة تنشط عندما يتعرض الفريق الآخر لانتكاسة. وبالمثل، كشفت دراسة أخرى، أجريت عام 2006، عن تنشيط إيجابى لمناطق الدماغ عندما تعرض أشخاص (تم تمثيلهم على أنهم جناة) للمعاقبة. ومن الجدير بالذكر أن هذه الدراسة نفسها وجدت أن الرجال أكثر عرضة لهذا التأثير من النساء.
معلومة أخرى، الجنازات ليست مجرد وسيلة للتعبير عن الحزن والاحترام للمتوفى. بل إنها توفر فرصًا للارتياح، بأن ما أصاب المتوفى لم يحدث لمن حضروا الجنازة. فى كتابه «عندما تحدث أشياء سيئة لأناس طيبين» (1981)، وصف الحاخام الأمريكى هارولد كوشنر الشماتة بأنها «الارتياح الذى نشعر به عندما يحدث شىء سيئ لشخص آخر بدلا مِنَّا»، موضحا أن الناس عادة «لا يرغبون فى أن يحدث لهم شىء سيئ»، لكنهم لا يستطيعون منع أنفسهم من الشعور بتشنج محرج من الامتنان لأن شيئًا سيئًا حدث لشخص آخر وليس لهم.
ماذا عن عكس كلمة الشماتة؟ فى الواقع، هناك كلمة فعلية من اللغة البالية والسنسكريتية تشير تحديدًا إلى هذه المشاعر: موديتا «Mudita». إنها تشير إلى ممارسة بوذية تتوافق مع تركيز تلك الفلسفة/ الدين على التعاطف، ولكنها تذهب إلى أبعد من ذلك قليلًا، فتشمل الإحسان تجاه الآخرين. تحتضن موديتا الفرح غير الأنانى الذى يأتى من إدراك سعادة أو نجاح شخص آخر، لكن الشماتة تنقلب رأسًا على عقب.
كلمة أخيرة، والآن بعد خروج الشماتة للنور، ما هو رد الفعل تجاه هذا الشعور؟ أحد الاحتمالات هو الاعتراف بهذه المشاعر علنا فى كل مكان عندما نختبرها، لأنها طبيعية فى نهاية المطاف. من ناحية أخرى، ليس كل ما هو طبيعى جيدًا ومحمودًا. وربما من الأفضل تبنى مقولة الفيلسوف اليونانى سقراط «اعرف نفسك»، حتى لا تتفاجأ عندما تظهر الشماتة. فكونك إنسانا ستختبر هذه المشاعر.
ديفيد بى باراش وسام دريسر
مجلة "Psyche"
ترجمة وتلخيص: وفاء هانى عمر
النص الأصلى