أيام من رمضان
محمد سليم العوا
آخر تحديث:
الأربعاء 11 أغسطس 2010 - 11:26 ص
بتوقيت القاهرة
شهر رمضان شهر ذكريات عزيزة على المسلمين، وهو مناسبة تتكرر كل عام لاجتماع الناس، وتبادل الأفكار، والبحث فى الماضى، والنظر إلى المستقبل، وتكثير الطاعات، وتقليل الذنوب والهفوات.
والانشغال بالذكريات الدينية، والشعائر التعبدية فى رمضان ينسى كثيرا من الناس العودة إلى الوقائع السياسية والأحداث المؤثرة فى صنع تاريخ الدولة الإسلامية من عصر النبوة إلى عصر الناس هذا. والاهتمام بالشأن العام، والنظر فيه على أساس من قيم الإسلام يقتضى أن نعاود النظر المرة بعد المرة إلى تلك الوقائع والأحداث، نظرا يقف عند أسسها ومعالمها الرئيسية محاولا قراءتها بروحٍ تناسب العصر الذى تتم فيه هذه القراءة، ويهدف إلى الإفادة منها فى الحركة السياسية والثقافية الإسلامية ليهتدى المستقبل بدروس الماضى، ويتأسى الحاضر بما كان فيه من عبرة وقدوة.
وقد شهد رمضان على مدار عمر الإسلام أياما عظيمة خلدها التاريخ، وغيَّر بعضها من معالم تاريخ الإنسانية كله، وعلم بعضها المسلمين دروسا لا تنسى، ولأنه شهرٌ يرفع من الروح المعنوية للمسلمين ويقوى قدرتهم على العطاء لدينهم فإن كثيرا من هذه الأيام كانت من وقائع القتال فى سبيل الله الذى آزر النصر فيه المسلمين مؤازرة غيرت من واقعهم ومن واقع أعدائهم، ووضعت لبنات ثابتة فى بناء الدولة الإسلامية فى زمنها القديم والحديث.
وقد اخترت لهذا الشهر الكريم (رمضان 1431هـ) عددا من الأحداث المهمة فى التاريخ الإسلامى السياسى، وقفت عند كل حدث منها محاولا صنع ما ذكرت من تحقيق الفائدة للحاضر والمستقبل فى ضوء دروس الماضى ووقائعه.
وتبدأ هذه الأيام بيوم بدر الذى هو يوم النصر السياسى الأول فى تاريخ الإسلام والمسلمين. ثم تمر بنا فى هذه الأيام وقائع من قرون الإسلام الأربع عشرة الماضية إذ يأتى لقاؤنا مع اليوم الأخير فى حرب رمضان 1393هـ ــ أكتوبر 1973م.
وبين هذين اليومين العظيمين تأتى أيام عديدة وقعت فى أماكن مختلفة من أرض الإسلام، لكل يوم فيها خصائصه وأسبابه ونتائجه التى ينبغى أن نعلمها لأبنائنا، وأن نجعل منها حديثا نافعا فى مجالسنا، وأن نعرف أسماء الأماكن ومواضعها، وأن نعرف أسماء الأبطال الذين شاركوا فى مواقعها وأن ندرك أثر كل يوم منها فى إنشاء حضارتنا، أو المحافظة عليها، أو توسيع نطاقها.
إنه قول مكرور معاد، لكنه صحيح الصحة كلها، أن الأمم التى لا تعرف تاريخها لا حاضر لها ولا مستقبل. لكن التاريخ ليس سردا فحسب، ولا هو تحقيق رواية وتصحيحها من بين روايات متعددة للحدث الواحد، إنما التاريخ فى حقيقته عبر وعظات ودروس تأخذ الأفهام منه كما قال المتنبى على قدر القرائح والعقول. وكثير من الناس يخجلون من تاريخهم ويتنصلون من حقائقه لأن بعض ذوى الأقلام والألسنة فى زماننا لا يحسنون النظر إليه ولا الثقة به، وهؤلاء ينسون أنه من صحيح الأمثال قول الشاعر:
وكم من عائب (أمرا) صحيحا
وآفتـه من الفـهم السقـيم!!
ومن غايات هذه السلسلة المعنية بأيام رمضان أن تصحح بعض الأفهام، وتصوب بعض الأفكار، وتعين شبابنا على فهم تاريخه والأنس به والفخر بحقائقه فى مواجهة الذين ينكرون علينا ذلك كله أو بعضه. فليس كمثل ذلك طريق لصناعة الأبطال، وتقوية الأجيال، واسترداد المجد المفتقد لا المفقود. فإن حال من يشعر أن له مجدا قائما حقيقيا يفتقده أنه يثابر على العمل المستمر من أجل هذا المجد، ويضحى بالغالى قبل الرخيص فى سبيل استرداده والعودة إليه.
وحال من يشعر أن مجده مفقود ضائع لا سبيل إلى تجديد العهد به أن يبكى عليه ويحزن لفقده ويقعد عن أى جهد يتقدم به خطوة واحدة فى سبيل صناعة مجدٍ جديد.
وهذه الأمة الإسلامية تفتقد مجدها منذ فقدته، ويعمل المصلحون فيها واحدا بعد واحد، وجيلا فى أثر جيل لإحيائها، وتحقيق نهضتها الحضارية.
وإذا أدت هذه السلسلة من أيام رمضان دورا فى هذا السبيل فذلك ما كنا نبغِى، وإلا فالخير أردت وإليه قصدت