فلنعتذر إلى مراهقينا


رضوى أسامة

آخر تحديث: الأربعاء 11 أغسطس 2010 - 12:13 م بتوقيت القاهرة

هاتفتنى وصوتها ملىء بالسعادة لتشكرنى، وتخبرنى أنى أعدت لها ابنها الذى طالما تمنت أن تنجبه، لم أكن السبب فى تطور حالة ابنها، لم أر الطفل من أساسه، فقط جلسنا مرتين نتناقش فى عنف طفلها وعناده، أكثر ما كان يميز تلك المرأة هو قرار التغيير، الذى اتخذته منذ سنوات، قالت لى «مللت من صورتى الأولى، أنا لست ضعيفة إلى الحد الذى أبدو عليه، أنا فى رحلة اكتشاف مواطن القوة داخلى» فى رحلتها تلك كانت تحاول أن تصلح من أسرتها، زوج لا مبالى، وأطفال يتسمون بالعنف وقلة التحصيل الدراسى، سألتنى: كيف تصلح تلك العلاقة بينها وبين الابن الأكبر الذى يبلغ من العمر اثنى عشر عاما؟، تحدثنا كثيرا فى هاتين الجلستين، لكنها عندما هاتفتنى ذكرتنى بأن من أكثر الأشياء، التى بدت لها واقعية وفعالة هى تلك الجلسة، التى جلستها معه وحدهما وحكت له عن قرارها بالتغيير ورغبتها فى بدء صفحة جديدة معه، كانت صادقة جدا معه فى مشاعرها، اعتذرت بجدية شديدة عن كل ما فعلته معه من قبل سواء إساءات لفظية، أو بدنية أو عدم تفهم.
أخبرتنى أنه أبلغها بأنه يحبها وأنه يقدر تماما ما قالته له، وانه يعرف أنها ليست مضطرة إلى فعل ذلك. وأنه يصدقها.

قالت لى إنها شعرت بمسئولية شديدة عندما أخبرها بذلك، وسألتنى: هل يمكن أن يحدث له تغيير حقيقى هو الآخر؟
فى الحقيقة عندما نخبر أبناءنا عن أخطائنا فى تربيتهم، ونطلب منهن الغفران ونبدأ من جديد، يجب أن نقدم دلائل واقعية على ذلك، قلت لها إن ابنها البالغ من العمر اثنى عشر عاما قد شهد تعاملا معينا خلال هذه الفترة، ويلزمه فترة طويلة نسبيا ليشهد فيها تغيير أمه ويتأكد من أنها ليست حالة طارئة سرعان ما ستزول، لكنى فوجئت بها بعد عام كامل تخبرنى بذلك، وتتحدث عن التغيير الذى شهدته مع نفسها ومع ابنها الذى أصبح أقل عنفا وأكثر تفهما لها وعلى وفاق تام معها، وتحسن درجاته المدرسية بشدة.

أظن أن الأمر ليس بتلك السهولة، وأن التغيير الذى حدث للطفل كان يصاحب نضجا حقيقيا للأم وتغييرا لها هى الآخرى.
الكثيرون يبلغوننى أننا نتحمل وحدنا مسئولية ذلك، وأن الآباء كثيرا ما يفسدون ما نصنعه، بغض النظر عن حقيقة ذلك، لكن هذه المرأة التى بهرتنى بتغييرها، كانت تحاول أن تعمل فى ظل سلبية الأب، التى ظلت طوال الوقت مصاحبة لتغييرها، وتعمل تحت ظروف مادية إلى حد ما معوقة، لكنها رغما عن ذلك حققت نتائج مبهرة.

الأمر الأكثر صعوبة من كل ذلك هو أن تعقد تلك الجلسة مع مراهقك، وتعده بكل ذلك، ثم تنتكس وتعود إلى سلوكك القديم معه، هذا يزيد الأمر سوءا، المراهق لكى يشعر بالأمان يحتاج لحدود واضحة للسلوك، تلك الحدود الواضحة، التى يضعها الوالدان ويلتزمون بها تشعر المراهق بالثقة فى نفسه وفى العالم المحيط به.

سألنى أحد الآباء المهتمين بالتربية الصحية، أليست تلك الاعترافات تهز من صورتى أمامه، وتجعله يشعر بأننى مرتبك إزاء قراراتى تجاهه؟ لكن الأمر فى الحقيقة ليس كذلك، أنت تعطى لنفسك وله مساحة من العلاقة المختلفة، وفى نفس الوقت ستجددان عقدا مختلفا لشكل هذه العلاقة، وستتفقان على مجموعة من القواعد التى ستلتزمان بها، وستطلب منه أن يساعدك فى وضع هذه القواعد، كلما شارك المراهق فى وضع قواعده التى سيلتزم بها بنفسه، كلما شعر بمسئولية تجاهها، وكلما أصبح ملتزما بها.

أكثر ما يغيظنى أن لا يجد الوالدان وقتا لذلك، كنت أقرأ التعليقات على مقال سابق لى فى الموقع الإلكترونى للجريدة، واستغربت بشدة من تعليق أحد الآباء بقوله «وهل هناك وقت لكل ذلك؟!» التربية ليست مجرد قضاء وقت فى الحصول على المال اللازم لتعليم وأكل وملابس الطفل، كل ذلك مهم لكن الأهم أن تجد الوقت الذى يمكنك فيه التواصل مع طفلك والحديث معه وتربيته وجها لوجه، وليس عن بعد أو من خلال وسيط بينكما.
إذا كنت لم تفعل كل تلك الأشياء التى تجعلك قريبا بشكل كافٍ من طفلك، وإذا كانت لديك الرغبة لتغيير ذلك فسارع فى أخذ موعد منه، وأخبره بمنتهى الصراحة عن كل ذلك وقدم اعتذارا وعهدا حقيقيا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved