فقط مصريون

سارة خورشيد
سارة خورشيد

آخر تحديث: السبت 11 أغسطس 2012 - 9:15 ص بتوقيت القاهرة

قد لا يوجد مسمى ينطبق على أمثالى من المواطنين: نؤيد الثورة ونرفض حكم العسكر، لكننا لا ننتمى لما يطلق عليه «القوى المدنية»، كما أننا لا نؤيد الإخوان المسلمين أو السلفيين أو أيا من جماعات ما يعرف بالإسلام السياسى الموجودة على الساحة. لسنا أقل مدنية وتحضرا من الذين يدعون احتكارهم للواء «الدولة المدنية الحديثة» ولا أقل إسلاما من الذين يضعون كل من يختلف مع رؤيتهم للإسلام فى كفة واحدة تمثل «العدو» الرافض للشريعة أو الجاهل بدينه.

 

يؤكد معارضو الجماعات الإسلامية أنهم لا يعارضون الإسلام لأن من يعرفون أنفسهم بالإسلاميين ليسوا الممثلين المعتمدين لدين الله. أؤيدهم فى ذلك، لكننى أضيف أن معارضتى لتلك الجماعات لا تعنى معارضتى للفكر الإسلامى أو للشريعة، كما لأنها لا تعنى تأييدى للعلمانية، التى يطلق عليها فى مصر «المدنية».

 

تنبع معارضتى للإسلاميين من تأييدى للشريعة التى أراهم يخالفونها: فالإخوان مثلا (الجماعة الأكثر تأثيرا) يخالفون الشريعة عندما يعدون ويخلفون متذرعين بالظروف (مثلما تذرع مبارك). يقولون ما لا يفعلون: يرددون إكليشيهات عن حقوق الأقليات ثم نرى ردود أفعالهم ضعيفة على ظلم يحيق بتلك الأقليات (مثلا فى ماسبيرو ودهشور). قد يرتكب بعض الأقباط أخطاء، لكن تطبيق العدل الذى هو الشريعة لا يعرف مسلما أو مسيحيا، ودولة العدل باقية وإن كانت كافرة ودولة الظلم زائلة ولو مسلمة. تهدئة مشاكل الأقليات من على السطح لا تتساوى مع إقامة العدل.

 

أما الإسلاميون البارزون عدا الإخوان، كالدعوة السلفية مثلا، فمن منطلق إيمانى بعظمة ووسطية الشريعة أعارض مغالاتهم فى تفسيرها، وتقديسهم غير المبرر لمنهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ مع احترامى لمكانته هو ليس من الصحابة ولا التابعين بل رجل اجتهد قديما فى الحجاز وقد يكون أصاب أو أخطأ، والفتاوى تتغير باختلاف المكان والزمان، ولنا فى الإمام الشافعى أحد الأئمة الأربعة أسوة باختلاف فتاويه فى مصر عنها فى العراق.

 

•••

 

كون الإسلاميين المتصدرين للمشهد لا يقدمون نموذجا إيجابيا للفكر الإسلامى لا يعنى اقتناعى بالعلمانية.

 

إن كان البعض يؤيد العلمانية من منطلق رفضهم لسلطوية الدين فلا معنى لقبول طغيان العلمانية فى المقابل. لقد أثارت كثرة مظاهر استبداد العلمانية ضد الأديان حول العالم تساؤلات حول ما إن كانت العلمانية تحقق أهدافها أم تجلب نتائج عكسية.

 

ففى فرنسا، يبرر العلمانيون تأييدهم لقانون منع الحجاب بالمدارس بكونه يحمى المسلمات من قمع الدين. بنفس المنطق قضت محكمة كولونيا الألمانية بتجريم ختان الذكور، وهو ما رآه يهود ومسلمو المدينة قمعا لحقهم فى ممارسة شعائرهم الدينية.

 

يصف العلمانيون تعاليم الإسلام بالقهر الدينى، ليطالبونا بقبول قهر علمانى بدلا منه، لا سيما بالنظر لترحيب بعض رموز العلمانية المصريين بالحكم العسكرى المستبد لضمان علمانية مصر.

 

كما أثبت علمانيو الغرب عدم تسامحهم مع الإسلام ومظاهره، رغم أن التسامح من الأهداف الأصيلة للعلمانية، أثبت «مدنيو» مصر عدم تسامحهم أيضا. الدليل هو السخرية والرفض اللذان طالا زوجة الرئيس مرسى بسبب حجابها، مما يدحض حجة القائلين بأن العلمانية هى السبيل لضمان تسامح جميع المصريين مع بعضهم البعض، فالعلمانيون يجعلون الجميع مطالب بالخضوع لمعايير العلمانية للنجاة من تهمة التخلف.

 

لا يمكن أيضا تصديق ادعاءات البعض فى مصر أن العلمانية لا علاقة لها بالإلحاد أو البعد عن الدين. إن كان من الخطأ مساواة العلمانية بالإلحاد وافتراض كون كل علمانى ملحدا، فإن القول بأن العلمانية بعيدة عن الإلحاد هو مبالغة ومخالفة لحقائق وتاريخ معروف للفكر والممارسة السياسية العالمية. اعتقد الكثير من المفكرين الأوروبيين (مثل فرويد وماركس)، فى سياق ما يعرف بنظرية العلمنة، أن تقدم الأمم يؤدى لتراجع أهمية الدين لديها، يدعون أن الدين خرافة مخالفة للعقلانية. النتيجة التى توقعوها هى أنه يوما ما سيزداد التقدم لدرجة قد تؤدى لاختفاء الدين.

 

وإن تعذر التخلى عن الدين بالكامل، فلابد من «خصخصته» ليختفى من المجال العام، وفقا لمؤيدى نظرية العلمنة. فمثلا يعترض علمانيون فى الغرب على استعمال عبارة «كريسماس سعيد» للتهنئة الرسمية فى الأماكن العامة، مفضلين «إجازات سعيدة» لأنها تخلو من الإشارة لميلاد المسيح. نجد تشابها بين هؤلاء وبين بعض علمانيى مصر الذين يعارضون الحجاب من منطلق أن «الدين فى القلب» وشأن خاص، فالحجاب ينقل الدين للمجال العام.

 

لذا فبالإضافة لضعف حجج العلمانيين، فإن مصطلحات ومعلومات بعضهم مضللة مما يصعب الحوار البناء معهم.

 

•••

 

لدينا وجهان لمعضلة واحدة: إسلاموفوبيين، وعكسهم ممن خافوا على الإسلام لدرجة التعنت.

 

منذ ثورة يناير يحاول كل من الطرفين أيضا نسب الثورة لنفسه: العلمانيون يرون كل إسلامى عدوا للثورة انتهازى، والإسلاميون يصفون العلمانيين بالفلول.

 

الحقيقة هى أن الثورة لم تكن إسلامية ولا علمانية، بل ثورة شعبية على فساد وظلم نظام مبارك الذى لم يكن إسلاميا ولا علمانيا، بل كان طاغية، تخطى ظلمه حدود الانتماءات الفكرية والدينية. لم يتطلب الأمر من المواطن الذى عانى فى مصر مبارك أن ينتمى لفكر معين كى يثور لإسقاط النظام.

 

فلنعلم جميعا أن التعصب وتحقير الآخر ووضعه فى صور نمطية مضللة لن يحقق لأى طرف أهدافه أو أهداف الثورة، بل سيعمق الانقسام بين أبناء الشعب الواحد المتساوين فى القهر، وسيجعل كل أصحاب الأهداف النبيلة فريسة للفلول الحقيقيين للنظام الذى لم يسقط بعد.

 

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved