جمال مبارك.. ونسيان الحكام لدروس التاريخ
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
الإثنين 11 أغسطس 2014 - 8:20 ص
بتوقيت القاهرة
«أولادنا فلذات أكبادنا تمشى على الأرض».. كلمات رائعة لبعض السلف تدل على شفقة الآباء ورحمتهم بأبنائهم.. وتعنى أيضا ضعف الأب أمام ابنه «كبده الذى يسير على الأرض».. فيريد حمايته ورعايته وجمع الأموال له.. وقد يزداد ضعفه فيجمع له من الحرام أو يورثه ما لا يستحق أو ينصبه ما لا يستحقه».
لقد تأملت مأساة الرئيس الأسبق مبارك فوجدت أن أغلبها تمثل فى ضعفه الشديد فى سنوات حكمه الأخيرة أمام نزوات جمال ابنه وغزواته فى المال العام.. وسيطرته بغير حق على مفاصل الدولة والحكم وتوقيعه على بريد الوزارات على مرأى ومسمع من أبيه والوزراء.
ولولا عناد الجيش والمخابرات العامة لأشرف على كل شىء فى مصر وأمسك بخيوط الحكم كله بلا استثناء.
وأعتقد أن جزءا كبيرا من الخلل والفساد والترهل والمحسوبية الذى أصاب الدولة المصرية فى السنوات الأخيرة من عهد مبارك كان بسبب جمال وشلته التى استطاعت القيام بعملية إفساد ونهب منظم للدولة المصرية.. وفى نفس الوقت عدم القدرة على أى تطوير أو تجديد أو عطاء.
والغريب أن جمال مبارك بالذات لم يكن من صناع الخير رغم غناه الفاحش فلم يؤثر عنه قيامه بتبنى أو دعم أى مشروع خيرى للأيتام أو الأرامل أو المعاقين أو المرأة المعيلة مثلما يفعل أبناء وأسر الملوك فى الملكيات المختلفة.. ولم يؤثر عنه أى اختلاط بعوام الناس أو بمشكلاتهم الحقيقية أو نصرة مظلوم أو رفع الأذى عن مصرى أو التصدى للمشكلات الحقيقية للمصريين ولكنه مع البيزنس حينما حل وارتحل.
تدبرت هذا النموذج الذى ضيع مبارك ودولته وأدى إلى سجن الأب والأبناء أيضا.. وتلطيخ التاريخ العسكرى المشرف للأب وتدمير إنجازاته السابقة فى سنوات حكمه الأول.. وتأملت ضعف الأب الحاكم أمام ابنه فى التاريخ فوجدت هذه النماذج كثيرة وليست قليلة.. وللأسف عادة ما تحدث فى مصر.. وكأن مصر بليت بالفرعونية كما بليت بتوريثها.. فقد تم تصعيد الطفل نور الدين بن عز الدين أيبك والذى سمى بالملك المنصور إلى الحكم وعمره 15 عاما فاضطرب كل شىء فى مصر وطمع القاصى والدانى فيها مما جعل شيخ الإسلام العز بن عبدالسلام وقائد الجيش قطز يزيحانه حينما لاحت طلائع التتار.
ثم انتصر قطز وبيبرس على التتار.. ثم قتل قطز بيبرس.. وتولى حكم مصر وأذل الصليبيين ودوخ التتار فلما اقتربت منيته إذا به ينسى دروس التاريخ التى رآها بنفسه ويولى الحكم لابنه الصغير ويوصى قائده العسكرى «قلاوون» به خيرا.
ولكن الأخير وجد أن الملك الغلام يلهو ويعبث فى غير موضع اللهو والعبث.. فملك مصر بالذات لا يتحمل اللهو والعبث أو حتى الراحة أو ضعف الشخصية والحيلة.. فلم يجد بدا من خلعه وقيادة البلاد.. وحقق قلاوون انتصارات رائعة على الصليبيين والتتار وأرسى دعائم ملك مصر والشام.. إلى أن اقترب أجله فإذا به ينسى خطأ بيبرس فى التوريث وينسى ما فعله مع ابنه ويورث ابنه الصغير محمد الأشرف قلاوون الذى تولى الحكم بعده فلعب به المماليك.. واضطربت الأحوال معه.. وحاول بعض المماليك قتله فأصابوه فقط.. ثم أعاده المماليك وعزلوه.. فكره الحكم وسافر إلى الأردن ليستريح من عناء السياسة وصراعاتها.. وظل هناك حتى شارف الأربعين فنضج عقله وآتاه الله الحكمة والشجاعة مع الرحمة وحب الدين والعلماء.. وإذا بالمماليك تتصارع على الحكم مع ثورة الشعب المصرى الذى خرج فى الشوارع يهتف طالبا عودة محمد الأشرف بن قلاوون.. وكانوا يسمونه الأعرج لإصابته وكان النيل قد نضب ماؤه وقتها.. فتذكر الشعب أن النهر كان يجرى بالمياه فى عهد السلطان الأشرف بن قلاوون فهتفوا فى الشوارع «هاتوا الأعرج تيجى المية تتدحرج».. فعاد الرجل وحكم مصر والشام كأحسن ما يكون الحكام.. وهو الذى مدحه ابن تيمية كثيرا ووصفه بالعدل والرحمة مع الشجاعة والقوة فى التصدى للتتار.
والشاهد أن معظم الحكام تغيب عقولهم عندما يتعلق الأمر بأبنائهم خاصة.. وينسون كل دروس التاريخ التى تعلموها.. أو حتى شاهدوها.. وصدق هتاف القرآن العظيم «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ».. وهتاف الرسول «إن الولد مجبنة مجهلة محزنة».