المصالحة المستحيلة
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 11 أغسطس 2015 - 9:10 ص
بتوقيت القاهرة
لا أحد عاقلا فى مصر يمكنه أن يتعامل مع دعوات المصالحة مع الإخوان بجدية، للعديد من الأسباب، ربما يأتى على رأسها أن نظام 30 يونيو الحاكم الآن فى مصر يكتسب مشروعيته من تخليص البلاد من حكم الإخوان، ومن القضاء على مؤامراتهم الشيطانية لإقامة «دولة الخلافة» باعتبارها الهدف التاريخى للإخوان، وسعيهم خلال سنة حكمهم السوداء للسيطرة على مفاصل الدولة، ومحاولة احتلالها بالكامل، وهوالأمر الذى كشفته الخطوات التى اتخذوها بإلحاق كوادرهم الشابة فى جهاز الشرطة ومؤسسة القضاء تمهيدا لأخونتها فى غضون عدة سنوات، بالتوازى مع محاولاتهم السيطرة على السوق عبر شركاتهم التجارية الضخمة، وانشاء تحالفات سرية مع الجماعات الجهادية المتطرفة، لتكون بميلشياتها المسلحة ظهيرا عسكريا لهم، يمكن استدعاؤه عند الضرورة، وهو ما حصل بالفعل!
حتى قيادات الجماعة أنفسهم يعرفون أن دعوات المصالحة ليست أكثر من حرث فى البحر ومضيعة للوقت، لكنهم مع أنصارهم فى الداخل والخارج يرون أن هذه الدعوات توفر لهم فرصة مهمة للزعم بأنهم لا يزالون مؤثرين على الساحة، وأن الضربات الأمنية القوية التى يتعرضون لها لم تكسر التنظيم، وأن هذا التنظيم لايزال قادرا على العودة بحشد المزيد من الضغط الدولى على الحكم الحالى فى مصر، لكن قيادته يتناسون أن معركتهم الحقيقية ليست مع ثورة 30 يونيو ولا مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، ولكنها مع الأغلبية الساحقة من المصريين الذين فقدوا ثقتهم تماما فى التنظيم وفى قياداته، باعتبارهم متآمرين وكذابين وتجار دين وفاشلين فى الحكم ولا يؤمنون بالديمقراطية، وانهم السبب الحقيقى فى انحراف ثورة يناير عن مسارها، وفشلها فى تحقيق أهدافها!
لن ينسى المصريون للإخوان خياناتهم المتكررة للثوار الحقيقيين فى ميدان التحرير، ولن ينسوا لهم – بعد أن أعطوهم ثقتهم الكاملة – أنهم هم الذين باعوا الثورة نظير وصولهم لكراسى الحكم، وانهم هادنوا إسرائيل وأمريكا ليكسبوا تأييدهما لهم، كما لن ينسوا لهم دورهم المشبوه فى أحداث رابعة بإعلانهم الحرب على الدولة والبدء بإطلاق النار على قوات الأمن، ورفضهم الخروج من الممرات الآمنة لفض الاعتصام سلميا، وخزعبلاتهم فى خطبهم المجنونة خلال ليالى الاعتصام بإمامة رئيسهم المعزول للنبى محمد فى الصلاة، وتجول سيدنا جبريل وسط المعتصمين، وأن الاعتصام فى رابعة أفضل من الحج لبيت الله الحرام، وسعيهم المحموم لقتل هؤلاء المعتصمين ليتاجروا بدمائهم فيما بعد..!
ما يوفر للتنظيم، ومن يقف وراءه فى الخارج والداخل، الحجج الضرورية لطرح دعوات المصالحة وما يستتبعها من وقف العنف فى مصر، هو أن حكم الرئيس السيسى لا يزال بعيدا عن تحقيق أهداف ثورة يناير الأساسية، ولا تزال شعارات الحرية والعدالة الإجتماعية مجرد أصداء لهتافات كانت تتردد فى الشوارع والميادين من 4 سنوات خلت، دون أن تجد ترجمة حقيقية لها فى حياتنا، فحكم الرئيس السيسى وحتى الآن يبدو وكأنه يتبنى نفس المنهجية الفكرية لدولة مبارك، مع بعض التحسينات الضرورية، وهو وضع – على كل حال – لا يمكن استمراره أو الرهان على قدرته على حل مشاكلنا المزمنة.
المعضلة الحقيقية التى تعترض دعوات المصالحة، أنها تستبعد الأطراف الرئيسية فى المعادلة، وهم جموع الشعب المصرى، الذين يرفضون جملة وتفصيلا عودة الإخوان، فى نفس الوقت الذى لا يرون فى السياسات الحكومية الرهنة أملا حقيقيا لتحسين مستوى حياتهم الاقتصادية والسياسية !
المصالحة فى جوهرها هى عنوان كاذب لتحركات مشبوهة، تستهدف صرف الشعب المصرى عن قضاياه الحقيقية التى تتمثل فى بناء دول القانون والحريات والعدالة الاجتماعية، والقطيعة الكاملة مع دولة مبارك ودولة الإخوان.. وهى أهداف إن تهاون الحكم الحالى فى تحقيقها، فسوف نظل ندور فى حلقة مفرغة تنذر بعواقب وخيمة، رغم الانجازات التى قد يحققها هنا أو هناك !