بعد قناة السويس.. أربع أولويات فى الاقتصاد
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الثلاثاء 11 أغسطس 2015 - 9:20 ص
بتوقيت القاهرة
مع انتهاء الاحتفال الرسمى والشعبى بحفر وتشغيل المجرى المائى الجديد لقناة السويس، فلا مفر من الرجوع بتفكيرنا إلى الوضع الاقتصادى الراهن والمشكلات التى تحتاج لتدخل عاجل، لأن أية آثار إيجابية لحفر القناة الجديدة أو لغيرها من المشروعات العملاقة لن تتحقق إلا فى الأجل الطويل، بينما الشعب المصرى ينتظر انفراجا فى ظروف معيشته اليومية.
برغم الجهد المبذول من الدولة، والعمل الدءوب للعديد من الوزراء، وبرغم مؤتمر شرم الشيخ، والمساندة العربية، وانخفاض سعر البترول عالميا، إلا أن الواقع أن الناس تعانى فى حياتها اليومية من الارتفاع المستمر فى الأسعار، وندرة فرص العمل، وتدهور المرافق والخدمات العامة (باستثناء الكهرباء والتموين). وإذا كانت الإصلاحات الكبرى تتطلب وقتا وتمويلا وصبرا لكى تؤتى ثمارها، فإن هناك ما يمكن القيام به بشكل عاجل من أجل تنشيط الاستثمار وزيادة الإنتاج وتوفير فرص عمل فى الأجل القصير. وفى تقديرى أن الأربعة مواضيع التالية تستحق الاهتمام:
هناك أولا ضرورة لوضع نهاية لعدم وضوح السياسة الضريبية وغموض قوانين الضرائب الصادرة أو المعلن عنها خلال العام الماضى. ضريبة أرباح البورصة لم يتم تطبيقها ولم يتم إلغاؤها، بل تم «إرجاء العمل بها» لمدة عامين. وتخفيض ضريبة الدخل الذى أعلنت عنه الحكومة منذ مارس الماضى لم يصدر به قانون حتى الآن. والموقف لا يزال غير واضح بالنسبة للجدول الزمنى لتطبيق ضريبة القيمة المضافة، وكذلك الضريبة العقارية. كل هذا يعطى انطباعا بتردد غير مفهوم وغياب لآليات واضحة فى اتخاذ القرار الاقتصادى، خاصة بعدما صدرت موازنة العام الجديد متضمنة زيادة فى الموارد الضريبية بنسبة ٣٢٪ عما تم تحصيله فى العام الماضى، دون توضيح من أين سيأتى كل هذا. الغموض فى القوانين الضريبية من أكثر ما أضر بمناخ الاستثمار فى الفترة الماضية، وتصحيح هذا الوضع لا يحتاج إلا وضوحا فى الرؤية واتخاذ قرار واضح.
هناك من جهة ثانية حاجة للنظر فى كيفية التعامل مع مشاكل سوق الصرف، وما ترتب عليها من تراجع فى قدرة الشركات والمصانع الوطنية على استيراد المواد الأولية والسلع الوسيطة التى تمكنها من الاستمرار فى الإنتاج والتشغيل والتصدير. والوضع هنا بالتأكيد أكثر صعوبة لأنه طالما لا يوجد تدفق للعملات الأجنبية إلى داخل البلاد سواء من السياحة أو من الاستثمار الأجنبى أو من غيرهما، فإن البدائل المتاحة أمام السلطات النقدية سوف تظل محدودة. ولكن بجانب الإجراءات التى يتخذها البنك المركزى لتضييق الخناق على السوق السوداء، قد لا يكون هناك مفر من تصحيح سعر الصرف مرة أخرى لكى يطمئن المتعاملون إلى وصول السوق لنقطة توازن جديدة. وفى كل الأحوال فمن المفيد أن يكون هناك تواصل وحوار مستمر بين السلطات النقدية وبين السوق والمؤسسات المالية والمصرفية لكى يمكن التعامل مع الوضع الحالى بأقل الخسائر الممكنة.
أما الموضوع الثالث الذى يحتاج حسما فهو قانون الاستثمار. الاعتراف بالخطأ فضيلة كبرى لأنه يتيح الفرصة لتصحيح الوضع قبل تفاقمه. وقانون الاستثمار الجديد لم يحقق ما وعد به من تحسين فى مناخ الاستثمار وحل مشاكل المستثمرين، بل تسبب في عرقلة عمل هيئة الاستثمار، كما أنه أثار غموضا فى نظام تأسيس الشركات، وفى مستقبل المناطق الحرة، وفى نظام توزيع الأراضى. وكل محاولة لترميم القانون خلال الأشهر الماضية ــ وآخرها لائحته التنفيذية الصادرة فى السادس من يوليو ــ لم تؤد إلا إلى المزيد من التعقيد. لذلك فالأفضل هو العدول عن التعديل الأخير للقانون والبدء من جديد عن طريق تحديد ما يحتاجه المستثمرون بالفعل وبخاصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة القادرة على توفير فرص جديدة للعمل. حتى هيئة الاستثمار ــ واجهة الترويج للاقتصاد المصرى ومقصد المستثمرين الأول ــ لا تزال منذ مطلع العام بدون مجلس إدارة يراقب عملها، وبدون رئيس تنفيذى مثبت فى موقعه، ويديرها قائم بأعمال المدير التنفيذى بينما تشكيل مجلس إدارة جديد وتثبيت رئيس الهيئة لا يتطلبان جهدا كبيرا ولا موارد جديدة.
وأخيرا فإن الموضوع الرابع يتعلق بأولويات الدولة تجاه المشروعات القومية الكبرى، خاصة فى ظل الإعلان عن قرب البدء فى استصلاح مليون فدان، وبناء عاصمة جديدة، وحفر الأنفاق التى ستربط بين ضفتى قناة السويس. هذه كلها مشروعات عظيمة وربما ضرورية، ولكن قبل اتخاذ القرار النهائى بتنفيذها يجب تحديد تكلفتها، ومصادر تمويلها، والعائد المتوقع منها، وكيفية مشاركة القطاع الخاص فى تنفيذها بشكل تنافسى. والأهم من ذلك، يجب التفكير فيما إذا كان من الصواب أن تحظى هذه المشروعات كلها بالأولوية المطلقة، أم يتم توجيه جانب من موارد الدولة المحدودة نحو رفع كفاءة الخدمات والمرافق العامة القائمة بالفعل والتى تؤثر بشكل مباشر على حياة الناس اليومية، مثل تطوير بنك التنمية والائتمان الزراعى، وتجديد شبكة السكك الحديدية، وتحديث نظام الرى فى الأراضى القديمة، والنهوض بمستشفيات الدولة وجامعاتها القائمة بالفعل، والاستثمار فى المناطق الصناعية المخصصة للمشروعات الصغيرة، وفى تطوير المناطق العشوائية التى يقطنها الملايين.
هناك توازن مطلوب بين ما هو مفيد للبلد للسنوات والعقود المقبلة، وبين ما هو ضرورى لتجاوز الأزمة الحالية وتلبية احتياجات الناس العاجلة، وبعضها لا يحتاج لتمويل جديد ولا لموارد هائلة، بل مجرد تحديد أفضل للأولويات، واستعداد لتصحيح ما يقع من أخطاء، وفتح باب الحوار والمشاركة المجتمعية حول المسار الاقتصادى الذى يمضى فيه البلد.